ads header

أخبار الموقع

شرح القانون المدني / الدكتور / عبدالرازق السنهوري / مصادر الالتزام / مصادر الحق / العقد / اركان العقد

أركان العقد

68 –  أركان العقد : العقد يقوم على الإرادة ، أي تراضي المتعاقدين . والإرادة يجب أن تتجه إلى غاية مشروعة ، وهذا هو السبب . فالعقد إذن ركنان : التراضي والسبب ( [15] ) .
وأما المحل فهو ركن في الإلتزام لا في العقد . ولكن أهميته لا تظهر إلا في الالتزام الذي ينشأ من العقد .فإن محل الالتزام غير التعاقدي يتولى القانون تعيينهن فليس ثمة احتمال أن يكون غير مستوف للشروط . أما محل الالتزام التعاقدي فإن المتعاقدين هما اللذان يقومان بتعيينه ، فوجب أن يراعيا استيفاءه للشروط التي يتطلبها القانون . ومن ثم فالمحل يذكر عادة مقترنًا بالعقد .
فنحن نبحث القواعد التي يقوم عليها التراضي والمحل والسبب ، وكذلك الجزء الذي يترتب على هذه القواعد وهو البطلان . ويتناول بحثنا إذن المسائل الآتية :
1 - التراضي .
2 - المحل .
3 - السبب .
4 - البطلان .

الفرع الأول

التراضي

69 – وجود التراضي وصحة : يوجد التراضي بوجود إرادتين متوافقتين . وإذا كان وجود هاتين الإرادتين يكفي لوجود العقد ، فإنه لا يكفي لصحته ، بل يجب حتى يكون العقد صحيحًا أن تكون الإرادتان المتوافقتان صحيحتين فنبحث إذن :
1 - وجود التراضي .
2 - صحة التراضي .

المبحث الأول

وجود التراضي

70 - التراضي هو تطابق إرادتين : نصت المادة 89 من القانون المدني الجديد على ما يأتي :
 " يتم العقد بمجرد أن يتبادل طرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين؛ مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة لانعقاد العقد [16] ) " .
فالتراضي إذن هو تطابق إرادتين [17] ) . والمقصود بالإرادة هنا الإرادة التي تتجه لإحداث أقر قانوني معين هو إنشاء الالتزام .
71 - أركان الإرادة ( أو العمل القانوني ) : والإرادة بهذا التحديد هي العمل القانوني ( acte juridique ) . والعمل القانوني كما رأينا أعم من العقد . فكان المنطق يقضي بأن يكون بحث العقد داخلا ضمن بحث العمل القانوني ، لا العكس . ولكن الناحية العملية تتغلب هنا . فالعقد هو العمل القانوني الأكثر شيوعا في التعامل . والقواعد التي تنطبق على العقد هي ذات القواعد التي تنطبق على العمل القانوني ، إذا استثنينا منها تلك التي يقتضيها توافق الإرادتين ، كما سنبين ذلك عند الكلام في الإرادة المنفردة ، أي في العمل القانوني الصادي من جانب واحد . ومن ثم فأركان العمل القانوني هي بعينهها أركان العقد : إرادة صحيحة ، أي إرادة صادرة من ذى أهلية وخالية من العيوب ، تقع على محل مستوف لشروطه ، وتتجه لتحقيق سبب مشروع .
72 - اتجاه الإرادة لأحداث أثر قانوني : ويعنينا هنا وجود الإرادة والمقصود بهذا أن تصدر الإرادة من صاحبها بنية إحداث أثر قانوني هو إنشاء الالتزام .
ويترتب على ذلك بداهة أن الإرادة لا يمكن أن تصدر من شخص معدوم الإرادة ، كالطفل غير المميز والمجنون ومن فقد الوعي لسكر أو مرض ومن انعدمت إرادته الذاتية تحت تأثير الإيحاء ونحو ذلك .
ولا عبرة بالإرادة التي لم تتجه لإحداث أثر قانوني ، كما في المجاملات الاجتماعية وفي التبرع بتقديم خدمات مجانية وفي الاتفاقات التي تقوم فيما بين أفراد الأسرة ، وقد تقدم بيان هذا .
كذلك لا يعتقد بإرادة الهازل ولا بالإرادة الصورية ولا بالإرادة المعلقة على محض المشيئة ولا بالإرادة المقترنة بتحفظ ذهني ، فإن الإرادة في جميع هذه الأحوال لم تتجه اتجاهًا جديًا لإحداث أثر قانوني [18] )

73 - كيف يتم التعاقد :

والتعاقد يتم بتعبير كل من المتعاقدين عن إرادته على النحو الذي قدمناه ويتوافق الإراتين . وقد يمرا لتعاقد بمرحلة تمهيدية لا يكون العقد فيها باتًا ، ويتحقق ذلك في الاتفاق الابتدائي وفي العربون .
فيخلص إذن للبحث المسائل الآتية : ( 1 ) التعبير عن الإرادة . ( 2 ) توافق الإرادتين ( 3 ) مرحلة تمهيدية في التعاقد : الاتفاق الابتدائي والعربون .
المطلب الأول
التعبير عن الإرادة
74 - تعبير الأصيل وتعبير النائب : قد يصدر التعبير عن الإرادة من الأصيل في التعاقد وقد يصدر من نائب عنه . فتتلكلم : ( أولاً ) في التعبير الصادر من الأصيل ، و ( ثانيًا ) في التعبير الصادر من النائب ، أي النيابة في التعاقد .
1 ـ التعبير الصادر من الأصيل
75 - الإرادة ومظهر التعبير التعبير عنها : يجب التمييز بين الإرادة الكامنة في النفس والمظهر الخارجي للتعبير عنها .
أما الإرادة الكامنة في النفس فهي عمل نفسي ينعقد به العزم على شيء معين [19] ) .
وما دامت الإرادة عملا نفسيًا فإنه لا يعلم بها من الناس إلا صاحبها ، ولا يعلم بها غيره إلا إذا عبر عنها بأحد مظاهر التعبير .
76 – التعبير الصريح والتعبير الضمني : نصت المادة 90 من القانون المدني الجديد على ما يأتي :
 " 1 – التعبير عن الإرادة يكون باللفظ وبالكتابة وبالإشارة المتداولة عرفًا ، كما يكون باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته على حقيقة المقصود " .
 " 2 – ويجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا إذا لم ينص القانون أو ينفق الطرفان على أن يكون صريحًا [20] ) " .
ونرى من ذلك أن التعبير عن الإرادة ـ وهو مظهرها الخارجي وعنصرها المادي المحسوس ـ يكون تارة تعبيرًا صريحًا وطورًا تعبيرًا ضمنيًا .
ويكون التعبير عن الإرادة صريحا إذا كان المظهر الذي اتخذه ـ كلاما أو كتابة أو إشارة أو نحو ذلك ـ مظهرًا من موضوعًا في ذاته للكشف عن هذه الإرادة حسب المألوف بين الناس . فالتعبير الصريح قد يكون بالكلام ، وذلك بإيراد الألفاظ الدالة على المعنى الذي تنطوي عليه الإرادة . وقد يؤدي اللسان هذه الألفاظ مباشرة وقد يؤديها بالواسطة كالمخاطبة التليفونية وكإيفاد رسول لا يكون نائبًا . وقد يكون التعبير الصريح بالكتابة في أي شكل من أشكالها ، عرفية كانت أو رسمية ، في شكل سند أو كتاب أو نشرة أو إعلان ، موقعا عليها أو غير موقع ، مكتوبة باليد أو بالآلة الكاتبة أو بالآلة الطابعة أو بأية طريقة أخرى ، أصلا كانت أو صورة . وبديهي أن الإثبات بالكتابة يتطلب شروطا أشد مم يتطلبه التعبير بالكتابة . ويكون التعبير الصريح أيضًا بالإشارة المتداولة عرفا ، فإشارة الأخرس غير المبهمة تعبير صريح عن إرادته ، وأية إشارة من غير الأخرس تواضعت الناس على أن لها معنى خاصا يكون تعبيرا صريحا عن الإرادة ، كهز الرأس عموديًا دلالة على القبول وهزها أفقيا أو هز الكتف دلالة على الرفض . ويكون التعبير الصريح أخيرًا باتخاذ أي موقف آخر لا تدع ظروف الحال شكا في دلالته على حقيقة المقصود ، فعرض التاجر لبضائعه على الجمهور مع بيان أثمانها يعتبر إيجابًا صريحًا [21] ) .
ووقوف عربات الركوب ونحوها في الأماكن المعدة لذلك عرض صريح على الجمهور . ووضع آلة ميكانيكية لتأدية عمل معين كميزان أو آلة لبيع الحلوى أو لتوزيع طوابع البريد أو نحو ذلك ، كل هذا يعد تعبيرًا صريحًا [22] ) .
ويكون التعبير عن الإرادة ضمنيا إذا كان المظهر الذي اتخذه ليس في ذاته موضوعًا للكشف عن الإرادة ، ولكنه مع ذلك لا يمكن تفسيره دون أن يفترض وجود هذه الإرادة ، مثل ذلك أن يتصرف شخص في شيء ليس له ولكن عرض عليه أن يشتريه . فذلك دليل على أنه قبل الشراء إذ يتصرف تصرف المالك . وكالموعود بالبيع يرتب حقا على العين الموعود ببيعها ( 1 ) ، وكالدائن يسلم سند الدين للمدين فهذا دليل على أنه أراد انقضاء الدين ما لم يثبت عكس ذلك . وكالمستأجر يبقى في العين المؤجرة بعد نهاية الإيجار ويصدر منه عمل يفهم على أنه يراد به تجديد الإيجار ( أنظر م 599 ) ، وكالوكيل يقبل الوكالة بتنفيذها ، وكمدير ملعب يعد للتمثيل رواية عرضها مؤلف عليه [23] ) .
وأي مظهر من مظاهر التعبير الصريحة أو الضمنية يكفي بوجه عام في التعبير عن الإرادة ، مع مراعاة أن هناك عقودًا شكلية سبقت الإشارة إليها تستلزم أن يتخذ التعبير مظهرًا خاصًا؛ في شكل معين ، ومع مراعاة أن هناك قواعد للإثبات تستوجب الكتابة في كثير من الفروض ، ولكن الكتابة في هذه الحالة الأخيرة مظهرًا للتعبير عن الإرادة بل طريقًا لإثبات وجودها بعد أن سبق التعبير عنها . ومع ذلك فهناك أحوال يجب أن يكون التعبير عن الإرادة فيها تعبيرًا صريحًا ، ولا يكتفي بالتعبير الضمني . وهي أحوال يراد فيها عادة تنبيه العاقد قبل التعاقد إلى وجه الخطر فيما هو مقدم عليه ، فلا يبرم الأمر إلا بعد التروي وإلا بعد أن تصدر منه إرادة صريحة . وهذا نوع من الشكلية المهذبة . وهذه الأحوال إما أن ينص عليها المشرع أو يتفق عليها المتعاقدان . مثل الذي ينص عليه المشرع حجية الدفاتر والأوراق المنزلية لا تقوم إلا في إحدى حالتين ، أن يذكر المدين فيها صراحة أنه استوفى دينًا أو أن يذكر صراحة أنه قصد بما دونه في هذه الأوراق أن تقوم مقام السند ( أنظر م 398 ) ، وبائع التركة يرد للمشتري ما استولى عليه منها ما لم يكن عند البيع قد اشترط صراحة عدم الرد ( أنظر م 457 ) ، وبراءة ذمة المستأجر الأصلي نحو المؤجر إذا صدر من هذا قبول صريح بالتنازل عن الإيجار أو بالإيجار من الباطن ( أنظر م 597 ) [24] ) . وقد يتفق المتعاقدان على أن يتخذ مظهر التعبير عن الإرادة شكلاً خاصًا أن يكون تعبيرًا صريحًا أو يكون بالكتابة أو بكتابة رسمية ، وفي هذه الأحوال ينفذ الاتفاق فلا يوجد التعبير إلا في الشكل المتفق عليه وقد سبق بيان ذلك [25] ) .
وكل ما قدمنا عن التعبير الصريح والتعبير الضمني كان معمولا به قضاء دون نص في ظل القانون القديم [26] ) .
77 – الإرادة الباطنة والإرادة الظاهرة [27] ) ـ تمهيد : إذا لم تختلف الإرادة الداخلية عن مظهرها الخارجي ، فسيان الأخذ بالإرادة الباطنة أو بالإرادة الظاهرة ما دام الإثنتان متطابقتين . أما إذا اختلفتا ـ كما إذا أمضى شخص عقدًا مطبوعًا يتضمن شرطًا كان لا يقبله لو فطن له ، وكشخص ينزل في فندق على شروط لا يعملها ولكنها مكتوبة ومعلقة في غرفته ، وكمن يوصي على أثاث منزلي بطريق التأشير على بيان مطبوع فإذا به يؤشر على أثاث غرفة نوم وهو يريد أثاث غرفة استقبال ـ فالقاعدة المعروفة في القوانين اللاتينية أن الإرادة الباطنة هي التي يؤخذ بها . ولكنها نظرية حديثة كان للألمان الضلع الأكبر فيها ، تأخذ بالإرادة الظاهرة ، ومن هنا اختلفت المدرسة الألمانية مع المدرسة الفرنسية في العقد كما اختلفتا في الالتزام وكما اختلفتا في نظرتهما العامة للعلاقات القانونية . فالأولى تقف أمام المظاهر المادية المحسوسة فنظرتها موضوعية ( objectif ) ، والأخرى تنفيذ إلى البواطن النفسية فنظرتها ذاتية ( subjectif ) ، فإذا اقتصرنا على العقد رأينا المدرسة الفرنسية تأخذ بالإرادة الباطنة ، وتأخذ المدرسة الألمانية بالإرادة الظاهرة .

78 - نظرية الإرادة الباطنة ( volonte interne ) :

وهي تبحث عن الإرادة فيما تنطوي عليه النفس . أما مظهر التعبير عن الإرادة فليس إلا قرينة عليها تقبل إثبات العكس . فإذا قام دليل من جهة أخرى على أن المظهر المادي لا يتفق مع الإرادة النفسية ، فالعبرة بهذه لا بذاك . وإذا تعذر الوصول إلى معرفة الإرادة النفسية عن طريق الجزم ، فما على القاضي إلا أن يتعرفها عن طريق الافتراض . فالإرادة الحقيقة أولاً ، وإلا فالإرادة المفترضة ـ ولكنها ـ حقيقية أو مفترضة ـ هي الإرادة الباطنة لا الإرادة الظاهرة : الإرادة الحرة المختارة في معدنها الحقيقي ، غير متأثرة لا بغش ولا بإكراه ولا بغلط .
79 - نظرية الإرادة الظاهرة ( Volonte externe, declaration de volounte ) : في النصف الثاني من القرن التاسع عشر بحث من بحثهم إلى أن هذه الإرادة النفسية لا يجوز أن يكون لها أثر في القانون فهي شيء كامن في النفس ، والإرادة التي تنتج أثرا هي الإرادة في مظهرها الاجتماعي ، لا في مكمنها وهي تختلج في الضمير . ولا تأخذ الإرادة مظهرًا اجتماعيًا إلا عند الإفصاح عنها . فالعبرة بهذا الإفصاح ، إذ هو الشيء المادي الذي يستطيع القانون أن يحيط به وأن يرتب أحكامه ، دون حاجة إلى تحسس ما تنطوي عليه النفس من نيات . فإن القانون ظاهرة اجتماعية لا ظاهرة نفسية ، والإرادة الباطنة لا وجود لها إلا في العالم النفسي فإذا أريد أن يكون لها وجود في العالم الاجتماعي ، وجب أن تتجسم في المظهر المادي لها ، وهو ما يستطاع إدراكه . وفي هذا استقرار للتعامل ، وطمأنينة لمن يسكن بحق إلى ما يظهر أمامه من إرادة لا يستطيع التعرف عليها إلا من طريق التعبير عنها ، فلا يحتج عليه بعد ذلك بأن من تعاقد معه كان ينطوى على نية أخرى غير التي تستخلص من الطريق الذي اختاره للتعبير عن هذه النية [28] ) .
ولا يشترط أصحاب نظرية الإرادة الظاهرة طريقًا خاصًا لمظهر التعبير ، فأي مظهر من هذه المظاهر يصح عندهم . وقد يكون هذا المظهر تعبيرا صريحًا أو تعبيرًا ضمنيًا ، وقد يكون مجرد السكوت في أحوال خاصة مظهرًا من مظاهر التعبير . والمهم عندهم ألا تقتصر الإرادة على عمل نفسي ، بل تبرز إلى العالم المادي في علامة ظاهرة ، هي التي نقف عندها ، ونقدر الإرادة بقدرها .
وهم لا يكتفون من المظهر الخارجي للإرادة بأن يكون مجرد دليل عليها ـ دليل يقبل إثبات العكس إذا تبين من الظروف أن التعبير الخارجي لا يتفق مع الإرادة الداخلية ـ ولو اكتفوا بذلك لاتفقوا مع أصحاب نظرية الإرادة الباطنة . ولكنهم يذهبون إلى مدى أبعد ، ويعتبرون هذا المظهر الخارجي هو العنصر الأصلي للإرادة ، فيجب الوقوف عنده . وإذا كان لا بد من اعتباره دليل على الإرادة الداخلية ، فهو دليل لا يقبل إثبات العكس . فلا يسمع لشخص يدعي أنه أضمر غير ما أمظهر ، ما دام قد أراد هذا التعبير الذي اختاره لإرادته [29] ) .
80 - موقف القانون الجديد : وقد سبق القول إن القانون الجديد انحرف انحرافًا بسيطًا عن تقاليد القانون القديم في أمر الإرادة الباطنة والإرادة الظاهرة فلم يجمد في الوقوف عند الإرادة الباطنة ، بل تزحزح قليلا نحو الإرادة الظاهرة حتى يكفل الاستقرار في التعامل ، على أنه لم يبلغ مبلغ القانون الألماني في اقترابه من الإرادة الظاهرة كما سبق أن بينا . وإذا جاز أن يقال إن القانون الألماني قد أكمل نظرية الإرادة الظاهرة بنظرية الإرادة الباطنة ، فإن القانون الجديد يكون قد أكمل نظرية الإرادة الباطنة بنظرية الإرادة الظاهرة .
81 – متى ينتج التعبير عن الإرادة أثره : والتعبير عن الإرادة ـ سواء كان صريحًا أو ضمنيًا ـ وسواء اعتد فيه بالإرادة الباطنة أو بالإرادة الظاهرة ـ لا ينتج أثره إلا في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه . وهذا ما تقضى به المادة 91 من القانون المدني الجديد ، فهي تنص على ما يأتي : " ينتج التعبير عن الإرادة أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه ، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ما لم يقم الدليل على عكس ذلك " [30] ) ولا نظير لهذا النص في القانون المدني القديم .
ولإيضاح ذلك يجب التمييز بين وجود التعبير وجود فعليًا ووجوده وجودًا قانونيا . فالتعبير يكون له وجود فعلى بمجرد صدوره من صاحبه ، ولكنه ولا يكون له وجود قانوني إلا إذا وصل إلى علم من وجه إليه . العبرة في التعبير بوجوده القانوني لأن هذا الوجود وحده هو الذي تترتب عليه الآثار القانونية للتعبير . وهذا هو المعنى المقصود من إنتاج التعبير لأثره ( Efficacite ) . 
فإذا كان التعبير عن الإرادة إيجابًا مثلا فإنه لا ينتج أثره إلا إذا وصل إلى علم المتعاقد الآخر الذي يوجه إليه الإيجاب . ومتى وصل إلى علمه أنتج أثره . ومعنى ذلك أن الإيجاب من وقت العلم يعتبر قائمًا لا يجوز العدول أثره . ومعنى ذلك أن الإيجاب من وقت العلم يعتبر قائمًا لا يجوز العدول عنه ، وكان قبل العلم أي قبل أن ينتج أثره يجوز فيه العدول ، ولكن هذا ليس معناه أن الإيجاب الذي أصبح من وقت العلم قائمًا لا يجوز العدول عنه ، هو إيجاب ملزم لا يجوز الرجوع فيه . فإن الإيجاب الذي لا يجوز العدول عنه ، يجوز مع ذلك الرجوع فيه ، ما لم يكن ملزمًا .و حتى يكون الإيجاب ملزمًا . وحتى يكون الإيجاب ملزما يجب توافر شروط معينة سيأتي الكلام فيها . ومن ذلك يتبين أن العدول لا يكون إلا قبل أن يستكمل الإيجاب وجوده القانوني ، أما الرجوع فلا يكون إلا بعد أن يستكمل الإيجاب هذا الوجود بشرط ألا يكون ملزمًا ، فإذا كان ملزما فلا يجوز العدول عنه ولا الرجوع فيه . و إذا كان التعبير عن الإرادة بول مثلا ، فإنه كذلك لا ينتج أثره إلا من وقت علم الموجب به . وأثره القبول أكثر وضوحًا من أثر الإيجاب ، فإن القبول إذا أنتج أثره كان هذا الأثر هو تمام العقد . ومن ذلك يتبين أن القبول إذا صدر فلا يتم به العقد إلا من وقت وصوله إلى علم الموجب ، وهذه هي نظرية العلم التي سنراها في التعاقد بين الغائبين .
وقد جاءت المادة 91 بقرينة قانونية على العلم لما قد ينطوي عليه من خفاء ، فقضت بأن وصول التعبير قرينة على العلم به ، لأن العادة جرت أن الناس إذا وصل إليهم شيء أحاطوا به علمًا وقت وصوله . على أن هذه القرينة القانونية ليست قاطعة ، فيجوز لمن وصل إليه التعبير أن يثبت أنه لم يعلم به بالرغم من وصوله ، وهو الذي يحمل عبء الإثبات [31] ) .
ويتبين مما تقدم أن القانون الجديد قطع في أمر كان القانون القديم فيه مترددًا ، غذ جعل التعبير عن الإرادة ينتج أثره من وقت العلم به ، وكان القضاء في القانون القديم يتردد بين وقت إعلان التعبير ووقت تصديره ووقت وصوله ووقت العلم به ، وسنرى ذلك عند الكلام في التعاقد بين الغائبين .
82 - الموت وفقر الأهلية - أثرهما في التعبير عن الإرادة : وقد قدمنا أن التعبير عن الإرادة يكون له وجود فعلى من وقت صدوره من صاحبه ، وهذا الوجود الفعلي يبقى له حتى لو مات صاحبه أو فقد أهليته . وهنا اعتبر القانون الجديد أن التعبير عن الإرادة قد انفصل عن صاحبه ما دام قد تم له الوجود الفعلي . فلا يسقط بموت من صدر منه التعبير ولا بفقده لأهليته وفي هذا ضرب من الأخذ بالإرادة الظاهرة دون الإرادة الباطنة التي تبقى كامنة في نفس صاحبها وتموت بموته وتزول بفقده لأهليته . وإذ اعتبر القانون الجديد ذلك . فقد رتب على هذا الاعتبار نتيجة هامة خالف فيها القانون القديم . فجعل التعبير يبقى بعد الموت أو فقد الأهلية ، بل ويستكمل وجود القانوني بوصوله إلى علم من وجه إليه . وهذا ما تقضى به المادة 92 من القانون الجديد ، فهي تنص على ما يأتي : " إذا مات من صدر منه التعبير عن الإرادة أو فقد أهليته قبل أن ينتج التعبير أثره ، فإن ذلك لا يمنع من ترتب هذا الأثر عند اتصال التعبير يعلم من وجه إليه ، هذا ما لم يتبين العكس من التعبير أو من طبيعة التعامل [32] ) " .
وقد كان القضاء المصري في ظل القانون القديم يجري على أن موت صاحب الإرادة أو فقده لأهليته قبل أن تنتج الإرادة أثرها يستتبع سقوط الإرادة [33] ) .
ويرجع هذا في رأينا إلى أن القانون القديم لم يكن يستطيع أن يتصور انفصال الإرادة عن صاحبها ، فهو لا يراها إلا إرادة كامنة في النفس تموت بموت صاحبها وتزول بفقده لأهليته . ولا شك في أن حكم القانون الجديد في هذه المسألة يفضل حكم القانون القديم من حيث استقرار التعامل . والمثل الآتي بوضح ذلك : شخص في مصر كتب لآخر في فرنسا يعرض عليه صفقة ، فقلها الآخر ، ولكنه مات قبل أن يصل القبول إلى علم الموجب ، ولم يكن هذا عند وصول القبول إليه يعلم بموت صاحبه . العقد في هذه الحالة يتم وفقًا للقانون الجديد ، وكان لا يتم في ظل القانون القديم . وظاهر أن القول بتمام العقد هو الذي يتفق مع استقرار التعامل ، فإن الموجب لا مأخذ عليه إذا هو اطمأن إلى تمام الصفقة ورتب شؤونه على هذا الاعتبار [34] ) " .
ويجب على ورثة القابل في هذه الحالة ( وعلى القيم في حالة فقد الأهلية ) وقد تم العقد أن يقوموا بتنفيذه في الحدود التي تلتزم بها الورثة بعقود مورثهم [35] ) . وغنى عن البيان أن العقد لا يتم في المثل المتقدم إذا تبين من الإيجاب أو من طبيعة التعامل أن شخص القابل هو محل الاعتبار . فإذا قصد الموجب ـ وبان هذا القصد في إيجابه صراحة أو ضمنًا ـ أن العقد لا يتم إلا مع القابل بالذات ، أو كان الأمر المعقود عليه تستعصى طبيعته أن يقوم بتنفيذه غير القابل شخصيًا ، كما إذا كان هذا فنانًا وعرض عليه القيام بعمل يدخل في فنه ، فإن القبول يسقط بموت القابل [36] ) .
كل هذا بخلاف من وجه إليه القبول ، فإنه إذا فقد أهليته أو مات قبل وصول القبول إلى علمه فإن العقد لا يتم ، لأن القبول في هذه الحالة لا يمكن أن ينتج أثره ، إذ هو لن يصل إلى علم من وجه إليه بعد أن مات ، فيبقى الإيجاب دون قبول ولا يتم العقد [37] ) .

2 - النيابة في العقد ( * )

 ( التعبير الصادر من النائب )

83 ـ تمهيد : التعبير الصادر من النائب ـ من حيث إنه تعبير عن الإرادة ـ يخضع لجميع القواعد التي أسلفناها ـ فيكون صريحًا أو ضمنيًا ـ ويرد فيه الأخذ بالإرادة الباطنة أو الإرادة الظاهرة ، وينتج أثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه ، ولا يسقط بموت النائب أو فقده لأهليته ، كل ذلك على التفصيل الذي قدمناه . وهو ـ من حيث إنه تعبير يصدر من النائب لا من الأصيل ـ يقتضينا الكلام في نظرية النيابة .
والنيابة ( representation ) هي حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل مع انصراف الأثر القانوني لهذه الإرادة إلى شخص الأصيل كما لو كانت الإرادة قد صدرت منه هو ( [38] ) .
والنيابة – بالنسبة إلى المصدر الذي يحدد نطاقها – تكون أما نيابة قانونية إذ كان القانون هو الذي يحدد هذا النطاق ، كما في الولي والوصي والقيم والسنديك والحارس القضائي والفضولي والدائن الذي يستعمل حق المدين . واما أن تكون نيابة اتفاقية إذا كان الاتفاق هو الذي يتولى تحديد نطاقها ، ويتحقق هذا في عقد الوكالة [39] ) .
والفكرة الجديدة التي اهتدى إليها الفقه الحديث في موضوع النيابة هي أن من ينوب عن غيره إنما يحل إرادته هو محل إرادة من ينوب عنه . وقد هجر الرأي القديم الذي كان يذهب إلى أن النائب إنما يتقمس شخص الأصيل ، فيتكلم بلسانه ويعبر عن إرادته . وأصبح الفقه الحديث يذهب إلى أن التعبير الذي يصدر من النائب إنما هو تعبير عن إرادة النائب لا عن إرادة الأصيل ، وذلك بالقدر الذي لا يتلقى فيه النائب من الأصيل تعليمات محددة فينفذها كما تلقاها ، إذ يكون في هذه الحدود معبراً عن إرادة الأصيل لا عن إرادته هو [40] ) . والخصوصية في التعبير الذي يصدر من النائب مترجما عن إرادته هو أن هذا التعبير ينتج أثره لا في شخص صاحبه كما هو الحال في كل تعبير عن الإرادة ، بل في شخص غيره وهو الأصيل .
والنيابة لا تتحقق إلا بشروط معينة ، ولها آثار خاصة . وقد ينوب شخص واحد عن طرفي العقد فتحل إرادته محل ارادتهما معاً ، أو يتعاقد أصيلاً عن نفسه نائبا عن غيره ، فيبدو في الفرضين أن الشخصي يتعاقد مع نفسه ، وهذه حالة هامة من أحوال النيابة نفردها بالذكر .
فنتلكم اذن في مسائل ثلاث : ( ا ) شروط تحقق النيابة ( ب ) آثار النيابة ( ج ) تعاقد الشخص مع نفسه .

ا – شروط تحقق النيابة

84 – حصر هذه الشروط : حتى تكون هناك نيابة يجب :
 ( أولاً ) أن تحل إرادة النائب محل إرادة الأصيل .
 ( ثانياً ) وان تجري إرادة النائب في الحدود المرسومة للنيابة .
 ( ثالثاً ) وان يكون التعامل باسم الأصيل لا باسم النائب .

الشرط الأول  حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل :

85 – النائب والرسول : تقدم القول أن النائب إنما يعبر عن إرادته هو لا عن إرادة الأصيل ، فهو ليس بمجرد وسيط بين الأصيل والغير يقتصر على نقل إرادة كل منهما إلى الآخر ، وإلا كان رسولا ( messager ) . وهناك فرق بين التعاقد بنائب والتعاقد برسول . ففي الحالة الأولى يتعاقد الأصيل بنائب عنه ، ويعتبر التعاقد بين حاضرين إذا جمع النائب والمتعاقد الآخر مجلس واحد ، والعبرة بإرادة النائب فلا يصح أن يكون مجنوناً أو غير مميز ، ويعتد بالعيوب التي تلحق هذه الإرادة . أما في الحالة الثانية فالأصيل يتعاقد بنفسه ، والتعاقد يكون بين غائبين حتى لو جمع الرسول والمتعاقد الآخر مجلس واحد ، والعبرة بإرادة الأصيل إذ الرسول يعبر عن هذه الإرادة فيصح أن يكون مجنوناً أو غير مميز ما دام يقدر مادياً على نقل هذه الإرادة ويستطيع تبليغ الرسالة صحيحة ، ولا ينظر في عيوب الرضاء إلى إرادة الرسول بل إلى إرادة المرسل .
86 – العبرة بارادة النائب وبنيته : ومن ذلك نرى أن مجرد الوساطة لا تكفي لتحقيق النيابة ، بل يجب لتحقيقها أن يكون النائب معبراً عن إرادته هو لا عن إرادة من ينوب عنه . ويترتب على ذلك : ( 1 ) أن عيوب الرضاء ينظر فيها إلى إرادة النائب لا إلى إرادة الأصيل . فإذا وقع النائب في غلط أو تدليس أو إكراه كان العقد قابلا للإبطال ، ولا يعترض على هذا بأن إرادة الأصيل لم يشبها عيب من هذه العيوب . كذلك يعتد بالتدليس والإكراه الصادرين من النائب فتصبح إرادة من تعاقد معه معيبة . وإذا وقع التدليس أو الإكراه من الأصيل فإنه يؤثر كذلك في صحة العقد ، لأن التدليس والإكراه يؤثران في صحة العقد حتى لو وقعا من الغير فاولى أن يؤثرا في صحة العقد إذا وقعا من الأصيل . ( 2 ) أن حسن النية وسوءها يتلمسان عند النائب لا عند الأصيل ، وذلك في الأحوال التي يرتب فيها القانون اثرا على ذلك . فإذا كان النائب حسن النية وتعامل مع مدين معسر ، فلا يجوز لدائني هذا المدين الطعن في التصرف بالدعوى البوليصية . أما إذا كان الناب سيء النية وتواطأ مع المدين المعسر ، فللدائنين الطعن في التصرف حتى لو كان الأصيل حسن النية .
وقد ينظر في بعض الفروض إلى نية الأصيل . ويتحقق ذلك إذا كان النائب يتصرف وفقاً لتعليمات محددة صدرت له من الأصيل . فإذا وكل شخص آخر في شراء شيء معين بالذات ، وكان الموكل يعلم بما فيه من العيب والوكيل يجهل ذلك ، فلا يجوز في هذه الحالة للموكل أن يرجع على البائع بدعوى العيب . ونرى أن هذا القدر في اعتبار نية الأصيل كاف في تعيين الدور الذي يقوم به كل من الأصيل والنائب في إبرام العقد . فالأصل أن العقد ينعقد بإرادة النائب لا بإرادة الأصيل ، على أن إرادة الأصيل تكون محل اعتبار فيما يختص بعلمه وفيما يوجه فيه النائب ، إذ أن النائب في هذه الحالة يكون بمثابة الرسول [41] ) .
وقد أورد القانون الجديد كل هذه الأحكام ، فنص في المادة 104 على ما يأتي :
 " 1 – إذا تم العقد بطريق النيابة ، كان شخص النائب لا شخص الأصيل هو محل الاعتبار عند النظر في عيوب الإرادة أو في اثر العلم ببعض الظروف الخاصة أو افتراض العلم بها حتما . "
 " 2 – ومع ذلك إذا كان النائب وكيلا ويتصرف وفقاً لتعليمات معينة صدرت له من موكله ، فليس للموكل أن يتمسك بجهل النائب لظروف كان يعلمها هو أن كان من المفروض حتما أن يعملها [42] ) " .
ولم يكن في القانون القديم مقابل لهذا النص ، ولكن القضاء والفقه في مصر كانا يعملان دون نص بمقتضى هذه الأحكام [43] ) .
87 – أما الأهلية فينظر فيها للأصيل : ولا يؤخذ من أن النائب إنما يعبر عن إرادته أنه يجب أن تتوافر فيه الأهلية اللازمة للعقد الذي يباشره نيابة عن الأصيل . ذلك لأن العقد إذا كان ينعقد بإرادة النائب فإنه ينتج أثره في شخص الأصيل ، فالأصيل لا النائب هو الذي يجب أن تتوافر فيه الأهلية للعقد [44] ) .
وإذا كانت الأهلية تشترط في الأصيل ، فهي لا تشترط في النائب كما قدمنا . فيصح أن ينوب قاصر أو محجور عليه في بيع منزل مملوك لشخص تتوافر فيه أهلية التصرف [45] ) . ولكن النائب يجب أن يكون أهلاً لأن تصدر منه إرادة مستقلة لأنه يعبر عن إرادته هو ، فيجب إذن أن يكون مميزا ولو كان قاصراً . ولكن إذا كان الوكيل قاصراً جاز له أن يطلب إبطال عقد الوكالة ، فلا يرجع الموكل عليه إلا بدعوى الإثراء بلا سبب أو بدعوى الفضالة [46] ) .
وكل هذا ما لم تكن النيابة قانونية . فإن القانون في هذا النوع من النيابة هو الذي اضفى على النائب صفته ، وهو الذي يعين أهليته وأهلية الأصيل . فيجوز أن يكون الأصيل قاصراً – مميزاً أو غير مميز – كما يجوز أن يطلب من النائب كمال الأهلية ، ويتحقق هذا في الوصاية والقوامة .

الشرط الثاني  استعمال النائب إرادته في الحدود المرسومة للنيابة :

88 – مجاوزة النائب لحدود نيابته : وإذا كان النائب يعبر عن إرادته هو لا عن إرادة الأصيل ، فإنه يجب أن يعبر عن هذه الإرادة في حدود نيابته ، وهي الحدود التي عينها القانون أو الاتفاق . فإذا جاوز هذه الحدود فقد صفة النيابة ولا ينتج العمل الذي قام به أثره بالنسبة إلى الأصيل .
على أن العمل ينتج استثناء أثره بالنسبة إلى الأصيل إذا كان الغير الذي نعامل مع التائب حسن النية ، أي لا يعلم بمجاوزة حدود النيابة ، وكانت لديه أسباب قوية تدعوه إلى الاعتقاد بأن النائب قد تعاقد في حدود نيابته . مثل ذلك أن يكون النائب قد خولت له نيابة مستمرة ، كعملاء التأمين ومديري الشركات ووكلاء الدوائر ، وان يكون العمل الذي قام به يدخل عادة في حدود نيابته . ومثل ذلك أيضاً أن يبقى الأصيل سند النيابة في يد النائب بعد انتهاء النيابة ، فيتعامل الغير مع النائب الذي انتهت نيابته مطمئناً إلى هذا السند [47] ) .
وقد اشتمل القانون الجديد على نصين هما تطبيقان للمبدأ المتقدم . ( أولهما ) هو الخاص بحالة انقضاء النيابة وكان النائب ومن تعاقد معه يجهلان هذا الانقضاء . فنصت المادة 107 على أنه " إذا كان النائب ومن تعاقد معه يجهلان معا وقت العقد انقضاء النيابة ، فإن أثر العقد الذي يبرمه ، حقاً كان أو التزاماً ، يضاف إلى الأصيل أو خلفائها [48] ) " . مثل ذلك أن يعزل الأصيل النائب دون أن يعلم هذا بالعزل ، أو أن يموت الأصيل دون أن يعلم النائب بموته ، فيتعاقد النائب مع الغير دون أن يعلم الغير بعزل النائب أو بموت الأصيل . ( والنص الثاني ) ورد في عقد الوكالة ، إذ تنص المادة 703 على ما يأتي : " - الوكيل ملزم بتنفيذ الوكالة دون أن يجاوز حدودها المرسومة .
 2 - على أن له أن يخرج عن هذه الحدود متى كان من المستحيل عليه أخطار الموكل سلفاً وكانت الظروف يغلب معها الظن بأن الموكل ما كان إلا ليوافق على هذا التصرف ، وعلى الوكيل فى هذه الحالة أن يبادر بإبلاغ الموكل خروجه عن حدود الوكالة [49] ) " .
89 - إقرار الأصيل لهذه المجاوزة : فإذا جاوز النائب حدود النيابة لوم ينتج العمل الذي قام به أثره في حق الأصيل في إحدى الصور المتقدمة الذكر ، ولم يكن من المستطاع اعتبار النائب فضولياً لعدم توافر شروط الفضالة ، اعتبر الأصيل أجنبياً عن هذا العمل . ورجع الغير على النائب بالتعويض إذا كان له محل .
ولكن قد يقر الأصيل العمل المجاوز لحدود النيابة ، فيصبح كأنه قد تم في حدودها ، ويتقيد به الأصيل والغير من وقت التعاقد لا من وقت الإقرار [50] ) .

الشرط الثالث  تعامل النائب باسم الأصيل :

90 - الاسم المستعار الو المسخر ( prete - nom ) : ولا يكفي أن يكون النائب معبراً عن إرادته في حدود النيابة ، بل يجب أيضاً أن يكون تعامله مع الغير باسم الأصيل . فلو تعامل الوكيل باسمه لما كانت هناك نيابة ، وتكون الوكالة مقصورة على علاقة الوكيل بالموكل ، وهذا هو ما يعرف بالاسم المستعار أو المسخر . ومن ثم يضاف اثر العقد إلى الوكيل دائناً أو مدينا ولا يضاف إلى الموكل . ويرجع الموكل على الوكيل بمقتضى عقد الوكالة الذي تم بينهما .
ومع ذلك يضاف اثر العقد إلى الأصيل في حالتين : ( 1 ) إذا كان من المفروض حتما أن الغير يعلم بوجود النيابة . ( 2 ) أو كان يستوي عند الغير أن يتعامل مع الأصيل أو النائب . وقد اشتملت المادة 106 من القانون المدني الجديد على هذه الأحكام . فنصت على ما يأتي : " إذا لم يعلن العاقد وقت إبرام العقد أنه يتعاقد بصفته نائباً ، فان اثر العقد لا يضاف إلى الأصيل ، دائنا أو مدينا ، إلا إذا كان من المفروض حتما أن من تعاقد مع النائب يعلم بوجود النيابة ، أو كان يستوي عنده أن يتعامل مع الأصيل أو النائب " [51] ) .
91 – التعاقد باسم الأصيل : فيجب إذن وقت أن يتعاقد النائب مع الغير أن يتعامل باسم الأصيل ولحسابه . وهذه النية قد يفصح عنها ، أو قد تفهم ضمناً من الظروف ، كما إذا باع مستخدم بضاعة مخدومة في محل هذا المخدوم ، وكالخادم يتعاقد عن سيده ، وكقبطان السفينة يتعاقد عن صاحبها .
والتعاقد باسم الأصيل يجب أن يتحقق أيضاً عند الغير الذي يتعاقد مع النائب . فإذا كان النائب يعمل باسم الأصيل ، ولكن الغير يتعامل معه في شخصه ، فالنيابة لا تقوم ، والعقد لا يتم ، لا مع شخص النائب لأنه لا يتعامل لنفسه ، ولا مع الأصيل لأن الغير لا يقصد التعامل معه . ولكن إذا كان النائب يعمل باسمه والغير يتعامل باسم الأصيل ، أضيف العقد إلى الأصيل في الحالتين اللتين نصت عليهما المادة 106 ، وقد تقدم ذكرهما .

ب – آثار النيابة

92 – العلاقة فيما بين النائب والغير : النائب يعمل باسم الأصيل كما قدمنا ، فاثر العقد لا يلحقه هو بل يلحق الأصيل . ويترتب على ذلك أن النائب لا يستطيع أن يطالب الغير بحق من الحقوق التي أنشأها العقد ، إلا إذا ثبتت له النيابة في تنفيذ العقد كما ثبتت له في إبرامه . كذلك لا يقوم في ذمة النائب التزام بالعقد . ولكن إذا كان النائب لا يلتزم بالعقد ، فإن هذا لا يمنع من أن يلتزم بخطأه ، حتى إذا قصر في أداء مهمته صار مسئولا عن هذا التقصير ، إما نحو الغير الذي تعاقد معه ، وإما نحو الأصيل نفسه ، وإما نحو الاثنين معاً .
93 - العلاقة فيما بين النائب والأصيل : يحدد هذه العلاقة المصدر الذي أنشأ النيابة : الوكالة أو القانون .
94 – العلاقة فيما بين الأصيل والغير : تتولد علاقة مباشرة فيما بين الأصيل والغير ، ويختفي شخص النائب من بينهما . فهما المتعاقدان ، وهما اللذان ينصرف إليهما اثر العقد . وهذه هي الخطوة التي وقف دونها القانون الروماني . وهي الخصيصة المميزة للنيابة في القوانين الحديثة ، انتهى إليها منطق النيابة في تطورها ، وقضت بها النصوص الصريحة . فقد نصت المادة 105 من القانون المدني الجديد على أنه " إذا ابرم النائب في حدود نيابته عقداً باسم الأصيل ، فإن ما ينشأ عن هذا العقد من حقوق والتزامات يضاف إلى الأصيل " . [52] )
فيكسب الأصيل الحقوق التي تولدت له من العقد ، ويطالب الغير بها دون وساطة النائب .
كذلك يكسب الغير الحقوق التي تولدت له من العقد ، ويرجع بها مباشرة على الأصيل .

ج – تعاقد الشخص مع نفسه ( * )

95 – نظرة عامة : متى سلمنا أنه يجوز حلول إرادة محل أخرى بطريق النيابة ، أمكن أن نسلم أن شخصا واحدا يكون نائبا عن غيره وأصيلاً عن نفسه ، أو أن يكون نائبا عن كل من المتعاقدين ، فيجمع في الحالتين طرفي العقد في شخصه . ولا يكون ثمة إلا إرادة واحدة هي إرادة ذلك الشخص وقد حلت إرادتين [53] ) .
وقد اختلفت الشرائع في موقفها من هذه المسالة . فمنها ما يحرم في الأصل تعاقد الشخص مع نفسه ، كالقانون الألماني والمشروع الفرنسي الايطالي والشرعية الإسلامية والشريعة الانجليزية والقانون المصري الجديد . ومنها ما يبيحه بوجه عام ، كالقانون السويسري والقانون الفرنسي والقانون المصري القديم . ولكن لا توجد شريعة أطلقت التحريم أو الإباحة . فالشرائع التي حرمت تعاقد الشخص مع نفسه أباحته في فروض معينة ، والشرائع التي أباحته حرمته في ظروف استثنتها ، وكان من شان التوسع في الاستثناء عند الفريقين ، خضوعاً لمقتضيات الحياة العملية ، أن تقربت الشرائع التي تحرم الشرائع التي تبيح .
96 – تعاقد الشخص مع نفسه في القانون القديم : لم يرد في القانون القديم نص عام يحرم تعاقد الشخص مع نفسه أو يبيحه . فنزع الفقه إلى الاجتهاد ، وميز بين أن يكون الشخص الذي يتعاقد مع نفسه ينوب عن أحد طرفي العقد ويتقدم أصيلاً عن نفسه وان يكون نائباً عن الطرفين . ذلك أنه جعل العبرة في منع هذا التعاقد أو أباحته وجود خطر يهدد مصلحة الأصيل أو انعدام هذا الخطر ، فيمنع التعاقد عند تحقق الخطر ويباح عند انتفائه . ومن هنا جاء التمييز بين شخص يتعاقد مع نفسه لنفسه وآخر يتعاقد مع نفسه لغيره . فالخطر متحقق في الحالة الأولى بالنسبة إلى بعض العقود ذات الأهمية كالبيع ونحوه فتمتنع مباشرة هذه العقود ، أما بالنسبة إلى العقود الأخرى فتجوز مباشرتها . ولا يتحقق الخطر في الحالة الثانية إلا في بعض عقود استثنائية كالصلح ، فيباح تعاقد الشخص مع نفسه إلا في هذه الحالات الاستثنائية [54] ) .

97  تعاقد الشخص مع نفسه في القانون الجديد :

أما القانون الجديد فقد أورد نصا عاما يحرم تعاقد الشخص مع نفسه إلا في بعض الحالات . إذ قضت المادة 108 بأنه " لا يجوز لشخص أن يتعاقد مع نفسه باسم من ينوب عنه ، سواء أكان التعاقد لحسابه هو أم لحساب شخص أخر دون ترخيص من الأصيل . على أنه يجوز للأصيل في هذه الحالة أن يجيز التعاقد . كل هذا مع مراعاة ما يخالفه ، مما يقضي به القانون أو قواعد التجارة . " [55] )
فالأصل إذن أن تعاقد الشخص مع نفسه لا يجوز ، سواء في ذلك تعاقد الشخص لحساب نفسه كما إذا كان موكلا في بيع مال فاشتراه لنفسه [56] ) ، أو تعاقد لحساب غيره وهو نائب عن طرفي العقد كما لو كان موكلا في بيع مال فاشتراه لشخص وكله في الشراء . ذلك أنه يتحكم بإرادته وحده في مصلحتين متعارضتين ، وهذا التعارض في الحالة الثانية لم يحسب حسابه أحد من الأصيلين ، وهو في الحالة الأولى تعارض مع مصلحته الشخصية ذاتها ، فلا تتيسر الحماية الواجبة لمصلحة الأصيل في كلتا الحالتين [57] ) .
وهناك رأي يذهب إلى أن تعاقد الشخص مع نفسه في القانون الجديد قابل للإبطال لمصلحة الأصيل ولذلك ترد عليه الإجازة ، وقد تقرر هذا بمقتضى نص خاص . وقد كنا من القائلين بهذا الرأي وقررناه في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي [58] ) . ولكن تبينا بعد التأمل أن تحريم تعاقد الشخص مع نفسه إنما يقوم على قرينة قانونية هي أن الشخص إذا اناب عن غيره في التعاقد فهو لا يقصد التوسع في هذه الانابة إلى حبد أن يبيح للنائب أن يتعاقد مع نفسه أصيلاً أو نائبا عن شخص آخر ، لما ينجم عن هذا الموقف من تعارض في المصالح . فإذا ما تعاقد النائب مع نفسه بالرغم من ذلك كان مجاوزاً لحدود النيابة ، يكون شأنها شأن كل وكيل جاوز حدود نيابته ، فلا يكون عمله نافذاً في حق الأصيل إلا إذا اجازه . وهذا ما يقضي به صراحة نص المادة 108 .
على أن هذه القرينة القانونية قابلة لإثبات العكس ، فيجوز للأصيل أن ينقضها وان يرخص مقدما للنائب في التعاقد مع نفسه . وفي هذه الحالة يعمل النائب في حدود نيابته إذا تعاقد مع نفسه ، يكون عمله نافذا في حق الأصيل . وهذا ما صرحت به أيضاً المادة 108 سالفة الذكر .
وتنقض هذه القرينة القانونية كذلك إذا وجد نص في القانون أو قضت قواعد التجارة بجواز تعاقد الشخص مع نفسه . مثل النص القانوني ما قضى به قانون المحاكم الحسبية الجديد في المادة 20 وهي توجب الحصول على إذن المحكمة لتصرف الوصي في مال القاصر – ومن باب أولى إذا كان هذا التصرف لنفسه – وفي إيجار مال القاصر لنفسه ، وقد عدد النص طائفة معينة أخرى من التصرفات . أما بالنسبة إلى الولى فتجيز الشريعة الإسلامية أن يشتري الأب مال ولده أو يبيع ماله من ولده بمثل القيمة أو بيسير الغبن ، ويقاس على البيع غيره من التصرفات [59] ) . ومثل ما تقضي به قواعد التجارة تعامل الوكيل بالعمولة باسم طرفي التعاقد وفقاً لقواعد القانون التجاري [60] ) .
ويستخلص مما قدمناه أن الجزاء في تعاقد الشخص مع نفسه لا يلتمس في نظرية البطلان ، بل في نظرية مجاوزة النائب لحدود نيابته .

المطلب الثاني

توافق الإرادتين

98 – التمييز بين حالتين : لم يعرض القانون القديم بنص إلى هذا الموضوع الذي يعد من أدق موضوعات العقد ، بل ترك الأمر فيه للفقه والقضاء . وهذا بخلاف التقنينات الحديثة كالتقنين الألماني وتقنين الالتزامات السويسري والمشروع الفرنسي الإيطالي ، فقد ورد فيها نصوص على جانب عظيم من الأهمية ، نسج على موالها القانون الجديد ، وهي تبين كيف يصدر الإيجاب ومتى يكون ملزماً ، والى أي وقت ، وكيف يقترن به القبول ، سواء أكان المتعاقدان حاضرين مجلس العقد أم كانا غير موجودين في مجلس واحد .
ونستعرض كلا من هاتين الحالتين : ( 1 ) حالة ما إذا ضم المتعاقدين مجلس واحد ( 2 ) وحالة التعاقد فيما بين الغائبين .

1-   المتعاقدان في مجلس واحد

99 – الإيجاب والقبول : تقدم أنه لا يد لتمام العقد من صدور إيجاب من أي من المتعاقدين ح يعقبه قبول مطابق له من المتعاقد الآخر . فنتكلم في مسائل ثلاث : ( أولاً ) صدور الإيجاب ) ثانياً ) اقترانه بالقبول ( ثالثاً ) حالات خاصة في القبول .

1-   صدور الإيجاب :

المراحل التي يمر بها الإيجاب :

100 – المفاوضات : من يصدر منه الإيجاب لا يستقر به الرأي في العادة على أن يصدر إيجاباً باتاً إلا بعد مفاوضات [61] ) قد تطول . ويعتبر من قبل المفاوضات أن يعرض شخص التعاقد دون أن يحدد أركانه . كان يضع إعلاناً ينبئ أنه يعرض منزلا للبيع أو للإيجار دون أن يذكر الثمن أو الأجرة . وإذا كانت شخصية المتعاقد محل اعتبار ، فلا يعد إيجاباً بل تفاوضاً أن يعرض شخص التعاقد حتى لو بين أركان العقد ، أما إذا لم يكن هناك اعتبار لشخصية المتعاقد عد هذا إيجاباً . وكان المشروع التمهيدي يشتمل على نص ( م 134 ) يقي بأن عرض البضائع مع بيان ثمنها يعتبر إيجاباً ، أما النشر والإعلان وبيان الأسعار الجاري التعامل بها وكل بيان آخر متعلق بعروض أو طلبات موجهة للجمهور أو للأفراد فلا يعتبر عند الشك إيجاباً وإنما يكون دعوة إلى التفاوض [62] ) . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه لا يعد إيجاباً باتاً ، بل يكون من قبيل المفاوضات ، أن يعرض شخص على آخر القيام بعمل دون أن يتضمن العرض الشروط والتفاصيل اللازمة [63] ) .
والقانون لا يرتب في الأصل على هذه المفاوضات أثراً قانونياً ، فكل متفاوض حر في قطع المفاوضة في الوقت الذي يريد . ولا مسئولية على من عدل ، بل هو لا يكلف إثبات أنه قد عدل لسبب جدى . وليست المفاوضات إلا عملا مادياً لا يلزم أحداً . لذلك لا يعد السمسار نائباً لأنه إنما يمهد للمفاوضات وهي عمل مادي لا عمل قانوني .
على أن العدول عن المفاوضات قد يرتب مسئولية على من قطعها إذا اقترن العدول بخطأ منه . ولكن المسئولية هنا ليست مسئولية تعاقدية مبنية على العدول بل هي مسئولية تقصيرية مبنية على الخطأ . والمكلف بإثبات الخطأ هو الطرف الآخر الذي أصابه ضرر من العدول ، فإذا اثبت مثلا أن من قطع المفاوضات لم يكن جاداً عند الدخول فيها ، أو كان جادا ولكن لم يخطره بالعدول في الوقت المناسب ، وأنبنى على ذلك أن فاتته صفقة رابحة ، كان له الحق في المطالبة بتعويض .
101 – الإيجاب المعلق : وقد تنتهي المفاوضات إلى إيجاب معلق ، كأن يعرض شخص التعاقد بثمن معين مع الاحتفاظ بتعديل هذا الثمن طبقا لتغير الأسعار ، فيكون الإيجاب الذي صدر منه بالثمن الذي عينه معلقاً على شرط عدم تغير الأسعار ، أو أن يعرض شخص على الجمهور شيئاً ذا كمية محدودة يعين ثمنه فيتم العقد مع من قبل أولاً وتراعى الأسبقية في القبول حتى ينفد الشيء . ومن هذا يتبين أن الإيجاب المعلق هو إيجاب لا مفاوضة ، ولكنه إيجاب لا ينفذ إلا إذا تحقق الشرط الذي علق عليه .

102 - الإيجاب البات :

فإذا خرج الإيجاب من دور المفاوضة ومن دور التعليق أصبح إيجاباً باتاً . وتقرير ما إذا كان الإيجاب قد وصل إلى هذا الدور النهائي هو من مسائل الواقع لا من مسائل القانون . فينفصل فيه قاضي الموضوع طبقا لظروف كل قضية ولا معقب على حكمة .

القوة الملزمة للإيجاب :

103 - في القانون القديم : لم يرد في القانون القديم نص يبين ما إذا كان الموجب يبقى ملزماً بالبقاء على إيجابه المدة الكافية لاقتران القبول بالإيجاب . فكان القضاء يذهب إلى أن للموجب أن يعدل عن إيجابه ما دام الإيجاب لم يقترن بالقبول [64] ) . ولكنه مع ذلك ذهب إلى أن الإيجاب المقرون بأجل يلزم الموجب بالبقاء على إيجابه طول هذا الأجل ، سواء حدد الأجل صراحة أو ضمناً ، وبنى هذا لا على أساس الإرادة المنفردة بل على أساس أن هناك عقداً تم بين الموجب والموجب له يلزم الأول بألا يعدل عن إيجابه المدة المحددة ، وقد تم هذا العقد بقبول ضمني من الموجب له أو بسكوته لأن هذا الأجل في مصلحته [65] ) . وذهب القضاء أيضاً إلى أن عدول الموجب عن إيجابه في وقت غير مناسب قد يجعل للموجب له حقاً في التعويض على أساس المسئولية التقصيرية [66] ) .
أما الفقه فكان يقول أيضاً مع القضاء بأن الإيجاب يلزم مدة الأجل ، ولكنه كان يتقلب في تفسير هذه القوة الملزمة بين هذه النظريات الثلاث : نظرية الإرادة المنفردة ، ونظرية العقد الضمني ، ونظرية المسئولية التقصيرية [67] ) .
104 - في القانون الجديد : وأتى القانون الجديد فأقر الوضع على أساس نص تشريعي . فقضت المادة 93 بما يأتي : " إذا عين ميعاد للقبول التزم الموجب بالبقاء على إيجابه إلى أن ينقضي هذا الميعاد . 2 - وقد يستخلص الميعاد من ظروف الحال أو من طبيعة المعاملة [68] ) " . فالإيجاب المقترن بميعاد للقبول ملزم للموجب طبقا لنص القانون الجديد . ولم نعد بعد هذا النص في حاجة إلى البحث عن الأساس الذي تقوم عليه هذه القوة الملزمة ، فالنص صريح في أن الإيجاب وحده هو الملزم ، أي أن الإلزام يقوم على الإرادة المنفردة طبقا لنص القانون ، وهذه هي إحدى الحالات التي نص القانون الجديد على أن الإرادة المنفردة تكون فيها مصدراً للالتزام .
ويكون تحديد الميعاد الذي يبقى فيه الإيجاب ملزماً صريحاً في الغالب . ولكن يقع أحياناً أن يستفاد هذا التحديد ضمنا من ظروف التعامل أو من طبيعته . فإذا عرض مالك آلة أن يبيعها تحت شرط التجربة ، فمن الميسور أن يستفاد من ذلك أنه يقصد الارتباط بإيجابه طوال المدة اللازمة للتجربة . وعند النزاع في تحديد الميعاد يترك التقدير للقاضي [69] ) . وإذا صدر الإيجاب لغائب دون أن يحدد ميعاد للقبول ، فإن الموجب يبقى ملتزماً إلى الوقت الذي يتسع لوصول قبل يكون قد صدر في وقت مناسب وبالطريق المعتاد ، وله أن يفرض أن إيجابه قد وصل غير متأخر [70] ) . فهنا أيضاً يوجد ميعاد ضمني ، إذ قضت طبيعة المعاملة ، والإيجاب قد صدر لغائب ، أن يتربص الموجب مستبقيا إيجابه إلى أن ينقضي الميعاد الذي يتسع عادة لوصول القبول إليه فيما لو كان الموجب له قد أرسل هذا القبول دون إبطاء لا تبرره الظروف ومع افتراض أن الإيجاب قد وصل في الميعاد المقدر لوصوله [71] ) .
ويبقى الموجب ملتزماً بالبقاء على إيجابه المدة التي حددها ، وما لم يكن إيجابه قد سقط برفض الطرف الآخر له قبل انقضاء هذه المادة كما سيأتي .
أما إذا لم يحدد الموجب أية مدة للقبول ، فإن إيجابه يبقى قائما ، ولكنه لا يكون ملزما ، بل يجوز له الرجوع فيه أي وقت شاء ما دام أنه لم يقترن بالقبول .
ومن ثم نتبين أن الإيجاب قد يكون قائما ملزما ، وقد يكون قائما غير ملزم ، فالقيام غير الإلزام ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .

سقوط الإيجاب :

105 – الإيجاب القائم الملزم : فإذا كان الإيجاب قائماً ملزماً فإنه يسقط في حالتين :
 ( الحالة الأولى ) هي أن يرفض الموجب له الإيجاب ، فيسقط حتى لو لم تنقض المدة التي يكون فيها ملزماً ، ويتخذ رفض الإيجاب صوراً مختلفة ، فهو تارة يكون رفضاً محضاً ، وطوراً يكون قبولا يتضمن تعديلا في الإيجاب ( م 96 وسيأتي ذكرها ) ، وثالثة يكون إيجاباً جديداً يعارض الإيجاب الأول .
 ( الحالة الثانية ) هي أن تنقضي المدة التي يكون فيها الإيجاب ملزماً ، فيسقط ، وينتهي الإلزام والقيام في وقت واحد . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " يظل الموجب مرتباً بإيجابه في خلال الميعاد المحدد للقبول متى حدد له ميعاد ، سواء في ذلك أن يصدر الإيجاب لغائب أو لحاضر . فإذا انقضى الميعاد ولم يصل القبول ، فلا يصبح الإيجاب غير لازم فحسب بعد أن فقد ما توافر له من الإلزام ، بل هو يسقط سقوطاً تاماً . وهذا هو التفسير المعقول لنية الموجب ، فهو يقصد ألا يبقى إيجابه قائماً إلا في خلال المدة المحددة ما دام قد لجأ إلى التحديد . وقد يتصور بقاء الإيجاب قائماً بعد انقضاء الميعاد ولو أنه يصح غير لازم ، ولكن مثل هذا النظر يصعب تمشيه مع ما يغلب في حقيقة نية الموجب . ويراعى أن القول بسقوط الإيجاب عند انقضاء الميعاد يستتبع اعتبار القبول المتأخر بمثابة إيجاب جديد . وهذا هو الرأي الذي أخذ به المشروع في نص لا حق . وغنى عن البيان أن الإيجاب الملزم يتميز في كيانه عن الوعد بالتعاقد ، فالأول إرادة منفردة والثاني اتفاق إرادتين [72] ) " .
106 – الإيجاب القائم غير الملزم : وإذا كان الإيجاب قائماً غير ملزم – وهذا لا يكون إلا في التعاقد ما بين حاضرين في مجلس العقد – فإنه يسقط أيضاً في حالتين :
 ( الحالة الأولى ) إذا عدل عنه الموجب قبل انفضاض مجلس العقد .
 ( الحالة الثانية ) إذا انفض مجلس العقد ولو لم يعدل عنه الموجب .
وسنرى تفصيل كل ذلك عند الكلام في مجلس العقد ( أنظر م 94 [73] ) ) .
107 – القبول بعد سقوط الإيجاب إيجاب جديد : وإذا سقط الإيجاب على النحو الذي قررناه فيما تقدم ، فكل قبول يأتي بعد ذلك يكون متأخراً ، ولا يعتد به على اعتبار أنه قبول لإيجاب سابق . ولكن يصح كما رأينا أن يكون هذا القبول المتأخر إيجاباً جديدا موجهاً لمن صدر منه الإيجاب الأول الذي سقط ، فإذا قبله هذا تم العقد .
نرى ذلك في حالة ما إذا رفض الإيجاب بقبول يتضمن تعديلا في الإيجاب أو بإيجاب جديد يعارض الإيجاب الأول . ونرى ذلك كما قدمنا في حالة ما إذا صدر قبول بعد انقضاء المدة التي يكون فيها الإيجاب ملزماً [74] ) . ونرى ذلك أيضاً في حالة ما إذا صدر قبول بعد عدول الموجب عن إيجابه . ونرى ذلك أخيراً في حالة ما إذا صدر قبول بعد انفضاض مجلس العقد . ففي هذه الحالات الأربع – وهي الحالات التي رأينا أن الإيجاب يسقط فيها – إذا صدر القبول بعد سقوط الإيجاب فلا يعتد به قبولا ، ولكنه يعدل إيجاباً جديداً .

ب – اقتران الإيجاب بالقبول

108 – الميعاد الذي يصح فيه القبول – مدة قيام الإيجاب : يصح القبول ما دام الإيجاب قائما . وقد عددنا فيما تقدم الحالات التي يسقط فيها الإيجاب . ونستخلص منها أن الإيجاب المقترن بأجل للقبول صريح أو ضمني يبقى قائماً طول مدة الأجل ، سواء كان التعاقد بين حاضرين أو غائبين . فيجوز في أي وقت في خلال الأجل أن يصدر القبول فيقترن به الإيجاب .
أما إذا كان التعاقد بين حاضرين في مجلس واحد ، ولم يقترن الإيجاب بأجل للقبول ، فإن الإيجاب يبقى قائماً – ويجوز أن يقترن بالقبول – ما دام مجلس العقد لم ينفض . فإذا انفض سقط الإيجاب وامتنع ؟؟؟؟؟ .
109 – مجلس العقد : يبقى الآن أن نبين ما هو المقصود بمجلس العقد . جاء هذا التعبير في المادة 94 من القانون المدني الجديد ، وهذا نصها : " 1 - إذا صدر الإيجاب في مجلس العقد ، دون أن يعين ميعاد القبول ، فان الموجب يتحلل من إيجابه إذا لم يصدر القبول فورا ، وكذلك الحال إذا صدر الإيجاب عن شخص إلى آخر بطريق التليفون أو بأي طريق مماثل .
 2 - ومع ذلك يتم العقد ، واو لم يصدر القبول فورا ، إذا لم يوجد ما يدل على أن الموجب قد عدل عن إيجابه في الفترة ما بين الإيجاب والقبول ، وكان القبول قد صدر قبل أن ينفض مجلس العقد [75] ) " .
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " إن الإيجاب إذا وجه لشخص حاضر وجب أن يقبله من فوره . وينزل الإيجاب الصادر من شخص إلى آخر بالتليفون أو بأية وسيلة مماثلة منزلة الإيجاب الصادر إلى شخص حاضر . وقد اخذ المشروع في هذه الصورة عن المذهب الحنفي قاعدة حكيمة ، فنص على أن العقد يتم ولو لم يحصل القبول فور الوقت إذا لم يصدر قبل افتراق المتعاقدين ما يفيد عدول الموجب عن إيجابه في الفترة التي تقع بين الإيجاب والقبول . وقد رؤى من المفيد أن يأخذ المشروع في هذه الحدود بنظرية الشريعة الإسلامية في اتحاد مجلس العقد [76] ) " .
ويتبين من هذا أن الموجب له ، إذا اتحد مجلس العقد حقيقة أو حكماً ( كما في التعاقد بالتليفون أو بأي طريق مماثل ) ، يجب عليه كمبدأ عام أن يصدر قبوله فوراً بمجرد صدور الإيجاب ، فلا يفصل وقت ما بين الإيجاب والقبول . وهذا الوضع – وهو مأخوذ من القوانين الحديثة [77] ) - يقتضي أن الإيجاب لا يكاد يقوم حتى يسقط ، وفي هذا من الضيق والحرج ما لا يخفى . فلطف القانون الجديد من حدة هذا الوضع بالالتجاء إلى الشريعة الإسلامية ، وجعل الإيجاب يبقى قائماً ما دام مجلس العقد لم ينقض . ومجلس العقد هو المكان الذي يضم المتعاقدين . وليس الملحوظ فيه هو المعنى المادي للمكان ، بل الملحوظ هو الوقت الذي يبقى فيه المتعاقدان منشغلين بالتعاقد دون أن يصرفهما عن ذلك شاغل آخر . فإذا اجتمع شخصان في مجلس واحد ، واصدر احدهما إيجاباً للآخر ، فليس من الضروري أن يكون القبول فوراً ، بل يجوز أن يبقى الموجب له يتدبر الأمر شيئا من الوقت ، حتى إذا عقد العزم على القبول فعل ذلك . ويكون قبوله صحيحاً بشرطين : ( الشرط الأول ) أن يبقى كل من المتعاقدين منشغلا بالتعاقد . فإذا انصرف أي منهما إلى شيء غيره اعتبر مجلس العقد في انفض ، وسقط الإيجاب . و ( الشرط الثاني ) أن يبقى الموجب على إيجابه ، فلا يرجع فيه أثناء المدة التي يبقى فيها مجلس العقد قائماً .
ولا شك في أن الوضع على هذا الأساس المستمد من الشريعة الإسلامية قد أصبح وضعاً عملياً معقولا ، ولم تعد الفورية في القبول لازمة ، بل يجوز فيه التراخي مدة معقولة لا ينشغل فيها المتعاقدان بغير العقد ويبقى فيها الموجب على إيجابه . وهذا هو ف ينظرنا خير تفسير لقواعد الفقه الإسلامي في مجلس العقد [78] ) .
110 – لا تحتيم في القبول : ومتى قام الإيجاب ولم ينقض الميعاد الذي يصح فيه القبول ، فإن الموجب له يكون بالخيار بين قبول الإيجاب أو رفضه ولا يتحتم عليه أن يقبل ، وإلا قام العقد على الإيجاب وحده .
ومهما يكن من بداهة هذا الحكم ، فإن ظروفاً قد تجعل الموجب له ملزماً بالقبول . ويتحقق ذلك إذا كان هو الذي دعا الموجب إلى التعاقد معه . وقد كان المشروع التمهيدي يشتمل على نص في هذا المعنى حذف اكتفاء بتطبيق القواعد العامة ، فكانت المادة 136 من هذا المشروع تنص على أنه " يجوز لمن وجه إليه الإيجاب أن يرفضه ، ما لم يكن قد دعا إليه ، فلا يجوز له في هذه الحالة أن يرفض التعاقد إلا إذا استند إلى أسباب مشروعة [79] ) " .
والتطبيقات العملية لهذا النص كثيرة متنوعة . فهناك طوائف من الناس تستحث غيرها على الإيجاب وتدعوهم إليه ، كالتجار في النشرات والإعلانات وقوائم الأسعار التي يوجهونها إلى الجمهور ، وكأصحاب الفنادق والمطاعم يفتحون أبوابهم للطارق ، وكأرباب الصناعات يدعون العمال إلى العمل في صناعاتهم . فإذا استجيبت هذه الدعوة إلى التعاقد ، كانت الاستجابة إيجاباً يمتاز عما عداه من ضروب الإيجاب بأن من وجه إليه لا يجوز له أن يرفضه لغير سبب مشروع . وقد عللت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي هذا الحكم العادل بما يأتي : " وليس هذا الأثر القانوني إلا نتيجة للحالة التي أنشأها صاحب الدعوة ، بل وتطبيقا من تطبقات مبدأ جامع هو مبدأ إساءة استعمال الحق أو التعسف في استعماله . على أن الإساءة في هذا الفرض ترد على مجرد رخصة من الرخص ، وهذه خصوصية تسترعى الانتباه . وقد تعمد المشروع إغفال تعيين الجزاء الذي يترتب على الرفض التعسفي ، فمثل هذا الرفض يرتب مسئولية لا شك فيها . فيجوز أن يقتصر التعويض على مبلغ من المال إذا كان هذا الجزاء كافياً . ويجوز للقاضي في بعض الفروض أن يذهب إلى ما هو ابعد ، فيعتبر أن العقد قد تم على سبيل التعويض إذا كان في الظروف ما يوجب ذلك [80] ) " .
111 – كيف يطابق القبول الإيجاب : وإذا كان الموجب له لا يتحتم عليه القبول على النحو الذي قدمناه ، إلا أنه إذا اختار أن يقبل وجب أن يكون قبوله مطابقاً للإيجاب مطابقة تامة ، وان يكون متفقا كل الاتفاق مع الموجب في جميع المسائل التي تناولها الإيجاب . وقد كان المشروع التمهيدي يشتمل على نص في هذا المعنى رؤى حذفه اكتفاء بتطبيق المبادئ العامة . فكانت المادة 137 من هذا المشروع تنص على أنه " لا يتم العقد ما لم يتفق الطرفان على كل المسائل التي تفاوضا فيها بشأن هذا العقد . أما الاتفاق على بعض هذه المسائل فلا يكفي لالتزام الطرفين ، حتى لو اثبت هذا الاتفاق في ورقة مكتوبة [81] ) " .
على أنه ليس من الضروري لإبرام العقد أن يتم الاتفاق على جميع المسائل مسألة مسألة . فقد نصت المادة 95 من القانون الجديد على ما يأتي : " إذا اتفق الطرفان على جميع المسائل الجوهرية في العقد ، واحتفظا بمسائل تفصيلية عليها فيما بعد ولم يشترطا أن العقد لا يتم عند عدم الاتفاق عليها ، اعتبر العقد قد تم . وإذا قام خلاف على المسائل التي لم يتم الاتفاق عليها ، فان المحكمة تقضي فيها طبقا لطبيعة المعاملة ولأحكام القانون والعرف والعدالة [82] ) " . والذي يسترعي النظر في الحالة التي جاء فيها هذا النص هو أن المتعاقدين قد حددا مسائل لم يتم الاتفاق عليها واحتفظا بها لتكون محلا للاتفاق فيما بعد ، وبالرغم من إنهما لم يتفقا عليها بعد ذلك ، إلا أن العقد يعتبر قد تم . والذي يبرر هذا الحكم هو أن هذه المسائل ليست جوهرية في العقد ، وان القانون قد افتراض أن نية المتعاقدين انصرفت إلى إبرام العقد حتى لو قام خلاف بينهما على هذه المسائل ، ما دام إنهما لم يشترطا أن العقد لا يتم عند عدم الاتفاق عليها . فتسيراً لنية المتعاقدين على هذا الوجه المعقول أباح القانون للقاضي أن يقضي فيما اختلفا فيه طبقا لطبيعة المعاملة ولأحكام القانون والعرف والعدالة . وهذا أيضاً أمر يسترعى النظر ، فإن مهمة القاضي في هذه الحالة تخرج عن المألوف من عمله ، فهو لا يقتصر على تفسير ما اتفاق عليه المتعاقدان ، بل يجاوز ذلك إلى تدبير ما اختلفا فيه ، فهو إذن يساهم في صنع العقد [83] ) . ويوجه هذا الحكم فيما انطوى عليه من جرأة أنه ما دام المفروض أن المتعاقدين قد أرادا إبرام العقد ولو لم يتفقا على هذه المسائل غير الجوهرية ، استتبع ذلك أن نفرض أيضاً إنهما أراد أن يحل القاضي محلهما ليبت فيما اختلفا فيه ، لأن هذا هو السبيل الوحيد للملاءمة بين ما اتفقا عليه من إبرام العقد وما اختلفا فيه من المسائل . فإذا اتفق المؤجر والمستأجر مثلا على المسائل الجوهرية في عقد الإيجار ، فتراضيا على العين المؤجرة والأجرة والمدة وسائر الشروط الجوهرية ، واختلفا فيمن يتحمل ضريبة الخفر أو أجرة البواب أو اشتراك المياه ، وهي عادة مبالغ زهيدة ، ولم يشترطا أن العقد لا يتم إلا إذا اتفقا أيضاً على هذه المسألة التفصيلية ، كان من المستساغ أن يفترض القانون أن المتعاقدين قد أرادا إبرام عقد الإيجار ، وإنهما تركا للقاضي أن يبت في هذه المسألة غير الجوهرية طبقا للعرف إذا لم يستطيعاهما أن يصلا فيها إلى اتفاق . فالأمر إذن لا يعدو أن يكون تفسيرا لنية المتعاقدين ،بحيث لو قام دليل على أن نيتهما لم تنصرف إلى ذلك ، وإنهما لم يقصدا إبرام العقد إلا بعد الاتفاق الكامل حتى على هذه المسائل التفصيلية ، لوجب استبعاد النص ، ولنحتم على القاضي أن يقضي بأن عقد الإيجار لم يبرم ما دام أن المتعاقدين لم يتفقا على جميع المسائل التي تناولاها ، جوهرية كانت أو تفصيلية [84] ) .
فالقبول إذن يجب أن يكون مطابقا للإيجاب على النحو الذي قدمناه . أما إذا كان غير مطابق له ، بل اختلف عنه زيادة أو نقصا أو تعديلا ، فإن العقد لا يتم ، ويعتبر مثل هذا القبول رفضاً يتضمن إيجاباً جديدا . فإذا طلب البائع ثمنا للمبيع ألفاً تدفع فوراً ، وقبل المشتري أن يدفع الألف على أن يزيد البائع في المبيع ، أو قبل أن يدفع في المبيع وحده ثمانمائة ، أو قبل أن يدفع فيه وحده ألفاً ولكن بالتقسيط ، لم يتم البيع ، واعتبر هذا القبول إيجاباً جديداً من المشتري . وهذا الحكم هو الذي تنص عليه المادة 96 من القانون الجديد إذ تقضي بما يأتي : " إذا اقترن القبول بما يزيد في الإيجاب أو يقيد منه أو يعدل فيه ، اعتبر رفضا يتضمن إيجاباً جديدا [85] ) " .

ج – حالات خاصة في القبول

الحالة الأولى – مجرد السكوت قد يكون قبولا : * )

112 - المبدأ العام : لا محل للكلام في السكوت باعتباره معبراً عن الإيجاب ، فإنه لا يتصور أن يكون مجرد السكوت إيجاباً . ولكن هل يجوز أن يكون قبولا ؟
يمكن القول بوجه عام إن السكوت في ذاته ، مجرداً عن أي ظرف ملابس له ، لا يكون تعبيراً عن الإرادة ولو قبولا ، لأن الإرادة عمل ايجابي والسكوت شيء سلبي ، ويقول فقهاء الشريعة الإسلامية : " لا ينسب لساكت قول " . وليس السكوت إرادة ضمنية ، فإن الإرادة الضمنية تستخلص من ظروف ايجابية تدل عليها كما سبق القول . أما السكوت فهو العدم [86] ) ، وأولى بالعدم أن تكون دلالته الرفض لا القبول . وهذا هو المبدأ العام ، يقول به الفقه والقضاء في مصر وفي غيرها من البلاد [87] ) .
113 – الاستثناء : على أن هذا المبدأ العام يقيد منه استثناءات اقرها القضاء المصري في ظل القانون القديم ، وأكدها القانون الجديد في نص صريح ، فقضت المادة 98 بما يأتي :
1 - إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف أو غير ذلك من الظروف تدل على أن الموجب لم يكن لينتظر تصريحا بالقبول ، فان العقد يعتبر قد تم ، إذا لم يرفض الإيجاب في وقت مناسب .
 2 - ويعتبر السكوت عن الرد قبولا ، إذا كان هناك تعامل سبق بين المتعاقدين واتصل الإيجاب بهذا التعامل ، أو إذا تمخض إيجاب لمنفعة من وجه إليه [88] ) " .
فالاستثناء إذن هو أن يعتبر السكوت قبولا إذا أحاطت به ظروف ملابسة من شانها أن تجعله يدل على الرضاء [89] ) . هذه الظروف الملابسة ضرب لها القانون الجديد الأمثلة الآتية :
 ( 1 ) إذا كان العرف التجاري الذي جرى عليه العمل قضي بأن السكوت يدل على الرضاء [90] ) ، كما إذا أرسل المصرف بيانا لعمليه عن حسابه في المصرف ، وذلك أن عدم الاعتراض على هذا البيان يعد إقراراً له [91] ) ، أو كانت طبيعة المعاملة تقضي بذلك ، كما إذا أرسل التاجر البضاعة لمن طلبها وأضاف في " الفاتورة " شروط مستجدة سكت عنها المشتري ولم يبادر إلى رفضها [92] ) .
 ( 2 ) إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين كما إذا اعتاد عميل استيراد البضائع التي يريدها من تاجر بالكتابة إليه فيرسل له التاجر ما يريد دون أن يؤذنه بالقبول . فإذا طلب العميل شيئاً وظل التاجر ساكتاً كعادته كان للعميل أن يعتبر هذا السكوت رضاء وأن التاجر سيرسل له ما طلب كما عودة [93] ) . وقد يكون هناك عقد سابق بين الطرفين ، فيستخلص السكوت قبولا إذا كان العقد الجديد من مكملات تنفيذ العقد السابق ، أو معدلا له ، أو فاسخاً [94] ) .
 ( 3 ) إذا تمحض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه وسكت هذا ، فيعتبر سكوته رضاء ، كالهبة التي لا تشترط فيها الرسمية تعرض على الموهوب له فيسكت ، وكعارية الاستعمال تعرض على المستعير فيلزم الصمت [95] ) .
وليس فيما تقدم إلا امثلة لم ترد على سبيل الحصر ، فكل سكوت تلازمه ملابسات تدل على الرضاء فهو " سكوت ملابس " [96] ) silence circonstancie ) ، ويعتبر قبولا ، كما إذا علم الموكل بمجاوزة الوكيل حدود الوكالة فإن سكوته إجازة ، وكالمالك الحقيقي في بيع ملك الغير إذا علم بالبيع وسكت دون عذر كان سكوته إقراراً للبيع . في كل هذا لو كان الساكت أراد أن يعترض لتكلم ، ولكنه سكت في معرض الحاجة إلى الكلام ، ويقول فقهاء الشريعة الإسلامية هنا أيضاً : " السكوت في معرض الحاجة بيان " .

الحالة الثانية  تنفيذ العقد قد يقوم مقام القبول :

114 – يعتبر القضاء المصري أن التنفيذ الاختياري للإيجاب يقوم مقام القبول ، فيتم العقد به ، ويعتبر قبولا ضمنياً [97] ) . أما الزمان والمكان اللذان يتم فيها العقد فيتبع في شأن تحديدهما القواعد العامة إذ لا يوجد نص خاص في ذلك . وتقضي القواعد العامة – على ما سنرى – أن العقد يتم وقت أن يعلم الموجب بهذا التنفيذ الاختياري وفي المكان الذي علم فيه ذلك ( م 97 ) ، ما لم يوجد اتفاق بين المتعاقدين يحدد وقتاً أو مكاناً آخر ، كأن يتضح من إرادة الموجب أنه قصد أن يتم العقد من وقت التنفيذ وفي مكانه فيقوم الموجب له بالتنفيذ وفقاً لهذه الإرادة .
وكانا لمشروع التمهيدي يشتمل على نص في هذه المسألة ، فكانت المادة 143 من هذا المشروع تقضي بأنه " إذا تبين من إرادة الموجب أو من طبيعة التعامل أو من مقتضى العرف أن تنفيذ العقد يقوم مقام القبول ، فإن العقد يعتبر قد تم في الزمان وفي المكان اللذين بدأ فيهما التنفيذ . ويجب في هذه الحالة المبادرة بإخطار الطرف الآخر ببدء التنفيذ " . ولكن هذا النص حذف في المشروع النهائي ، حذفته لجنة المراجعة لأنه " من التفصيلات التي لا ضرورة لها [98] ) " . على أن النص لو استبقى لبقى وقت تمام العقد ومكانه محددين بحصول التنفيذ لا بعلم الموجب به متى اتضح ذلك ، لا من إرادة الموجب فحسب ، بل أيضاً من طبيعة التعامل أو من مقتضى العرف ، ولوجب على الموجب له أن يبادر بإخطار الموجب ببدء التنفيذ ، ولا يكون هذا الأخطار إلا إبلاغاً للقبول الضمني الذي صدر منذ أن وقع البدء بالتنفيذ [99] ) .

الحالة الثالثة  القبول في عقود المزاد :

115 – هناك عقود تتم في بعض الأحيان لا من طريق الممارسة ، بل من طريق المزايدة . واهم هذه العقود البيع والإيجار . فالبيع الجبري عن طريق القضاء أو عن طريق الإدارة يتم بالمزاد . وكذلك البيوع التي تجريها المحاكم الحسبية . وقد يقع البيع الاختياري كذلك بطريق المزاد إذا اختار البائع هذا الطريق . وكثيرا ما تؤجر الجهات الحكومية ووزارة الأوقاف أراضي وعقارات بطريق المزاد . ويعنينا في العقود التي تتم بالمزايدة أن نعرف متى يتم الإيجاب ومتى يتم القبول . فقد بظن أن طرح الصفقة في المزاد هو الإيجاب ، والتقدم بالعطاء هو القبول . وليس هذا صحيحاً . فإن طرح الصفقة في المزاد لا يعدو أن يكون دعوة إلى التعاقد عن طريق التقدم بعطاء ، والتقدم بعطاء هو الإيجاب . أما القبول فلا يتم إلا برسو الم 1زاد ، ويكون هو إرساء المزاد على من يرسو عليه . وهذا هو الذي جرى عليه القضاء المصري في ظل القانون القديم ، فقد كان يعتبر التقدم بالعطاء إيجاباً لا قبولا ، ويرتب على ذلك جواز الرجوع فيه قبل إرساء المزاد [100] ) .
وأكد هذا المبدأ القانون الجديد بنص صريح . فقضت المادة 99 بما يأتي : " لا يتم العقد في المزايدات إلا برسوم المزاد ، ويسقط العطاء بعطاء يزيد عليه ولو كان باطلا [101] ) " . والعطاء يكون باطلا إذا صدر مثلا من شخص لا يجوز له التعاقد في الصفقة المطروحة في المزاد ، كقاض يتقدم بعطاء في مزاد لبيع عين متنازع عليها إذا كان نظر النزاع يقع في اختصاصه . ويكون قابلا للإبطال إذا صدر مثلا من قاصر أو محجور عليه . فإذا بطل العطاء في الحالين لم يبطل أثره وهو إسقاط العطاء الذي تقدمه .

الحالة الرابعة  القبول في عقود الإذعان * ) :

116 – دائرة عقود الإذعان : قد يكون القبول مجرد إذعان لما يمليه الموجب ، فالقابل للعقد لم يصدر قبوله بعد مناقشة ومفاوضة ، بل هي في موقفه من الموجب لا يملك إلا أن يأخذ أو أن يدع . ولما كان في حاجة إلى التعاقد على شيء لا غناء عنه ، فهو مضطر إلى القبول . فرضاؤه موجود ، ولكنه مفروض عليه . ومن ثم سميت هذه العقود بعقود الإذعان [103] ) . هذا الضرب من الإكراه ليس هو المعروف في عيوب الإرادة ، بل هو إكراه متصل بعوامل اقتصادية أكثر منه متصلا بعوامل نفسية .
ويتبين مما تقدم أن عقود الإذعان لا تكون إلا في دائرة معينة تحددها الخصائص الآتية : ( 1 ) تعلق العقد بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات بالنسبة إلى المستهلكين أو المنتفيعن . ( 2 ) احتكار الموجب لهذه السلع أو المرافق احتكاراً قانونياً أو فعلياً ، أو على الاقل سيطرته عليها سيطرة تجعل المنافسة فيها محدودة النطاق . ( 3 ) صدور الإيجاب إلى الناس كافة وبشروط واحدة وعلى نحو مستر أي لمدة غير محددة . ويغلب أن يكون في صيغة مطبوعة تحتوى على شروط منفصلة لا تجوز فيها المناقشة وأكثرها لمصلحة الموجب ، فهي تارة تخفف من مسئولية التعاقديية وأخرى تشدد في مسئولية الطرف الآخر ، وهي في مجموعها من التعقيد بحيث يغم فهمها على أوساط الناس .
وأمثلة هذه العقود كثيرة : فالتعاقد مع شركات النور والماء والغاز ، ومع مصالح البريد والتلغراف والتلفون ، وعقد النقل بوسائله المختلفة من سكك حديدية وكهربائية وبواخر وسيارات وطيارات وغير ذلك ، والتعاقد مع شركات التامين بأنواعه المتعددة ، وعقد العمل في الصناعات الكبرى ، كل هذا يدخل في دائرة عقود الإذعان . ومن ثم نرى أن القبول في هذه العقود هو كما قدمنا إذعان . فالموجب يعرض إيجابه في شكل بات نهائي لا يقبل مناقشة فيه ، فلا يسع الطرف الآخر إلا أن يقبل إذ لا غنى له عن التعاقد ، فهو محتاج إلى الماء والنور والغاز ، وكثيرا ما تعرض له حاجة إلى الاتصال بالناس عن طريق التراسل ولا بد له من التنقل والسفر في بعض الأحايين ، وهو مضطر إلى العمل ليكسب ما يقوم بأوده . وقد نصت المادة 100 من القانون الجديد على هذا المعنى في العبارات الآتية : " القبول في عقود الإذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها [104] ) " .
117 – طبيعة عقود الإذعان : وقد انقسم الفقهاء في طبيعة عقود الإذعان إلى مذهبين رئيسيين . فبضعهم يرى أن عقود الإذعان ليست عقودا حقيقية ، ويذهب فريق آخر إلى إنها لا تختلف عن سائر العقود .
أما الفريق الأول – وعلى رأسهم الأستاذ سالي وتابعه في ذلك فقهاء القانون العام مثل ديجيه وهوريو – فينكر على عقود الإذعان صبغتها التعاقدية ، إذ أن العقد توافق إرادتين عن حرية واختيار ، أما هنا فالقبول مجرد إذعان ورضوخ . فقعد الإذعان أقرب إلى أن يكون قانونا أخذت شركات الاحتكار الناس باتباعه فيجب تفسيره كما يفسر القانون ، ويرعى في تطبيقه مقتضيات العدالة وحسن النية ، وينظر فيه إلى ما تستلزمه الروابط الاقتصادية التي وضع لتنظيمها . ويرى الأستاذ ديموج ، ويتفق في هذا مع فقهاء القانون العام ، أن عقد الإذعان هو مركز قانوني منظم ( institution ) يجب أن يعني في تطبيقه بصالح العمل أولاً ، ثم بما يستحق الحماية من صالح كل من طرفي العقد .
ويرى الفريق الثاني – وهم غالبية فقهاء القانون المدني – أن عقد الإذعان عقد حقيقي يتم بتوافق إرادتين ، ويخضع للقواعد التي تخضع لها سائر العقود . ومهما قيل من أن أحد المتعاقدين ضعيف أمام الآخر ، فإن هذه ظاهرة اقتصادية لا ظاهرة قانونية ، وعلاج الأمر لا يكون بإنكار صفة العقد على عقد حقيقي ، ولا بتمكين القاضي من تفسير هذا العقد كما يشاء بدعوى حماية الضعيف ، فتضطرب المعاملات وتفقد استقرارها ، بل أن العلاج الناجع هو تقوية الجانب الضعيف حتى لا يستغله الجانب القوي . ويكون ذلك بإحدى وسيلتين أو بهما معاً : الأولى وسيلة اقتصادية فيجتمع المستهلكون ويتعاونون على مقاومة التعسف من جانب المحتكر ، والثانية وسيلة تشريعية فيتدخل المشرع – لا القاضي - لينظم عقود الإذعان .
118 – حكم عقود الإذعان في القانون القديم والجديد : وقد كانت الحماية في مصر ، في ظل القانون القديم ، حماية قضائية . فكان القضاء من جهة يعتبر عقود الإذعان عقوداً حقيقية واجبة الاحترام [105] ) ، فيحترم الشروط لمطبوعة ف يعقد الإيجار [106] ) ، وفي عقود التأمين [107] ) ، ويلزم من يتعامل مع شركة باحترام لوائحها المطبوعة [108] ) ، ومن يتعاقد مع مصلحة السكك الحديد بمراعاة نظمها ولوائحها [109] ) . ويقيد المستخدم في عقد العمل باحترام لوائح الخدمة التي يخضع لها [110] ) . إلا أن مع ذلك يغلب الشروط المكتوبة على الشروط المطبوعة [111] ) ، ويبطل الإعفاء الإتفاقي من المسئولية [112] ) ، ويفسر الالتزام في مصلحة الطرف المذعن [113] ) ، وينسخ الإرادة السابقة بالإرادة اللاحقة [114] ) .
وجاء القانون الجديد فجعل الحماية تشريعية ، ونظم بنصوص خاصة عقد التزام المرافق العامة وعقد العمل وقد التأمين . وأتى بنصوص عامة لتنظيم عقود الإذعان كافة ، فجعل بذلك للقضاء المصري في ظل القانون القديم سنداً تشريعياً في عهد القانون الجديد ، ومهد أمامه الطريق ليخطو خطوات أوسع في حماية الجانب المذعن . وندع النصوص الخاصة في العقود التي سلفت الإشارة إليها تدرس في مواضعها . ونقتصر هنا على إيراد النصوص العامة .
فقد نصت المادة 149 على أنه " إذا تم العقد بطريق الإذعان ، وكان قد تضمن شروطا تعسفية جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن منها ، وذلك وفقا لما تقضي به العدالة . ويقع باطلا كل اتفاق على خلاف ذلك [115] ) " . وهذا النص في عمومه وشموله أداة قوية في يد القاضي يحمى بها المستهلك من الشروط التعسفية التي تفرضها عليه شركات الاحتكار . والقاضي هو الذي يملك حق تقدير ما إذا كان الشرط تعسفياً ، ولا معقب لمحكمة النقض على تقديره ما دامت عبارة العقد تحتمل المعنى الذي أخذ به . فإذا كشف شرطاً تعسفياً في عقد إذعان ، فله أن يعدله بما يزيل اثر التعسف ، بل له أن يلغيه ويعفى الطرف المذعن منه ، ولم يرسم المشرع له حدوداً في ذلك إلا ما تقتضيه العدالة . ولا يجوز للمتعاقدين أن ينزعا من القاضي سلطته هذه باتفاق خاص على ذلك ، فإن مثل هذا الاتفاق يكون باطلا لمخالفته للنظام العام ، ولو صح للجأت إليه شركات الاحتكار وجعلته شرطاً مألوفاً ( clause de style ) في عقودها .
ونصت المادة 151 على ما يأتي : " 1 – يفسر الشك في مصلحة المدين .
2 - ومع ذلك لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضاراً بمصلحة الطرف المذعن ( [116] ) " . وقد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي ويراعى من ناحية أخرى أن الأصل أن يفسر الشك في مصلحة المدين عند غموض عبارة التعاقد غموضاً لا يتيح زواله . وقد استثنى المشروع من حكم هذا الأصل عقود الإذعان ، فقضى أن يفسر الشرك فيها لمصلحة العاقد المذعن ، دائناً كان أو مديناً . فالمفروض أن العاقد الآخر ، وهو أقوى العاقدين ، يتوافر له من الوسائل ما يمكنه من أن يفرض على المذعن عند التعاقد شروطاً واضحة بينة . فإذا لم يفعل ذلك اخذ بخطأه أو تقصيره وحمل تبعته ، لأنه يعتبر متسبباً في هذا الغموض من وجه : أنظر المادة 1288 من التقنين الاسباني وكذلك المادة 915 من التقنين النمساوي وهي تنص على أن إبهام العبارة يفسر ضد من صدرت منه [117] ) " .

الحالة الخامسة  القبول في عقود الجماعة وفي العقود النموذجية :

119 – تضمن المشروع التمهيدي نصين ن احدهما خاص بعقود الجماعة ( contrats collectives ) ، والثاني بالعقود النموذجية ( contrats – type ) .
فكانت المادة 146 من المشروع التمهيدي تنص على أنه " في عقود الجماعة يتم القبول برضاء الأغلبية ، وترتبط الأقلية بهذا القبول " . ومثل عقود الجماعة عقد العمل الجماعي ( contrat collectif du travail ) ، وهو العقد الذي ينظم شروط العمل ما بين طائفة أصحاب الأعمال وطائفة العمال . ويتم الإيجاب والقبول فيه برضاء الأغلبية من كل من الطائفتين . وترتبط الأقلية بالعد . وهنا نرى أن كل فرد من الأقلية قد ارتبط بعقد لم يقبله ولم يكن طرفاً فيه ، وأصبح لا يستطيع الانحراف في عقد فردي عن نصوص العقد الجماعي . وفي هذا خروج بين على القواعد المدنية ، يعلله أن عقود الجماعة أقرب إلى القوانين منها إلى العقود ، وهي على كل حال تنشيء مراكز قانونية منظمة ( institutions ) .
وكانت المادة 147 من المشروع التمهيدي تنص على أنه " إذا وضعت السلطة العامة أو أية هيئة نظامية أخرى نموذجاً لأحد العقود ، فإن من يبرم هذا العقد ويحيل على النموذج يتقيد بالشروط على الوردة فيه " . والعقد النموذجي هو الذي تضعه سلطة عامة أو أية هيئة نظامية أخرى ، كعقود الإيجار النموذجية التي تضعها وزارة الأوقاف أو المجالس البلدية أو النقابات . ويقضى النص السالف الذكر بأن من يتعاقد محيلا في تعاقده على عقد نموذجي يتقيد بالشروط الواردة فيه ، لأن الإحالة عليه تفترض أن المتعاقد قط اطلع على ما ورد فيه من الشروط وارتضاها .
وقد حذف هذان النصان في المشروع النهائي ، حذف الأول لأن مكانه يحسن أن يكون في تشريع خاص ، وحذف الثاني لوضوح الحكم الوارد فيه [118] ) .

2 – المتعاقدان لا يجمعهما مجلس واحد

 ( التعاقد بالمراسلة أو فيما بين الغائبين ) ( * )

 ( Contrat par correspondence ou entre absents )

120 – تحديد الموضوع : فرضنا فيما قدمناه أن التعاقد يتم بين حاضرين ، سواء تم التعاقد بينهما مباشرة أو تم بوساطة نائب عن أي منهما . ولكن يحدث كثيراً أن يتم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مجلس واحد ، ويتم ذلك بالمرسالة ، بأية طريقة من طرقها المختلفة : البريد أو البرق أو رسول خاص لا يكون نائباً أو غير ذلك [119] ) .
وليس الذي يميز ما بين الفرضين في حقيقة الأمر هو أن يجمع المتعاقدين مجلس العقد أو إلا يجتمعا في مجلس واحد ، بل إن المميز هو أن تفصل فترة من الزمن بين صدور القبول وعلم الموجب به . ففي التعاقد ما بين حاضرين تمنحي هذه الفترة من الزمن ، ويعلم الموجب بالقبول في الوقت الذي يصدر فيه . أما في التعاقد ما بين غائبين فإن القبول يصدر ثم تمضي فترة من الزمن هي المدة اللازمة لوصول القبول إلى علم الموجب ، ومن ثم يختلف وقت صدور القبول عن وقت العلم به .
والذي يؤكد ما تقدم أننا نستطيع أن نتصور تعاقداً ما بين غائبين لا يفصل زمن فيه ما بين صدور القبول والعلم به ، كالتعاقد بالتلفون ، وعندئذ تنطبق قواعد التعاقد ما بين حاضرين على ما سنرى . ونستطيع أن نتصور تعاقداً ما بين حاضرين يفصل زمن فيه ما بين صدور القبول والعلم به ، وعندئذ تنطبق قواعد التعاقد ما بني غائبين ، ويكفى لتحقق ذلك أن نتصور أن امتلعاقدين افترقا بعد صدور الإيجاب المزم وقبل صدور القبول ثم صدر القبول بعد ذلك وأتى من صدر منه القبول بنفسه يبلغ الموجب قبوله [120] ) .
فالعبرة ليست إذن باتحاد المجلس أو اختلافه ، بل بتخلل فترة من الزمن بين صدور القبول والعلم به [121] ) .
121 – ماذا يترتب على هذا التحديد – زمان العقد ومكانه : ومتى وضعنا المسألة على النحو الذي قدمناه تبين في الحال ماذا يترتب على هذا الوضع : فما دام أن هناك فترة من الزمن تفصل ما بين صدور القبول والعلم به ، وجب التساؤل متى إذن يتم العقد ؟ أوقت صدور القبول أما وقت العلم به ظ فإذا تعين الوقت الذي يتم فيه العقد تعين أيضاً المكان الذي يتم فيه : يتم في المكان الذي يوجد فيه الموجب إذا قلنا إن العقد لا يتم إلا إذا علم الموجب بالقبول ، ويتم في المكان الذي يوجد فيه من صدر منه القبول إذا قلنا إن العقد يتم بمجرد صدور القبول .
فرمان العقد هو الذي حدد مكان ، وهذا هو الأصل . وقد يختلف مكان العقد عن زمانه في بعض الفروض ، أهمها التعاقد بالتلفون . ففيه لا يفصل زمن ما بين صدور القبول والعلم به كما رأينا . فهو من ناحية الزمان بمثابة تعاقد ما بين حاضرين . أما من ناحية المكان فالمتعاقدان في جهتين مختلفتين ، فتجري في تعيينه قواعد التعاقد ما بين غائبين [122] ) .
وعلينا الآن أن نبحث متى يتم العقد ما بين غائبين وفي أي مكان . ونستعرض في ذلك الفقه والقوانين الأجنبية ، ثم ننتقل إلى أحكام القانون المصري .


 ( [1] ) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 10 في الهامش .
 ( [2] ) مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 11 في الهامش وص 9 في الهامش .
 ( [3] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " وقد تعمد المشروع ؟؟؟ تقسيمات ؟؟ التي توجد في أكثر التقنينات اللاتينية النزعة ، لأن ؟؟؟؟؟ ولذلك رؤى من الاحوط أن تهمل في النصوص التشريعية " . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 11 في الهامش ) .
 ( [4] ) وقد يكون العقد رضائياً في أصله فيتفق المتعاقدان علىاني كون شكليا ، أي أن الشكلية تكون واجبة باتفاق المتعاقدين لا يحكم القانون . مثل ذلك أن يتفق المتعاقدان نبمقتضى عقد ابتدائي ، أن يكون التعاقد النهائي بالكتابة ، أو بمقتضى شرط في عقد الإيجار أن التنبيه بالاخلاء يكون بالكتابة . فتكون الكتابة في مثل هذه الحالات ركنا شكليا لا يتم العمل القانونين إلا باستبفائه . وقد يقصد المتعاقدان من اشتراط الكتابة أن تكون للاثبات لا لتكوين العمل القانونين . وإذا قام شك في تفسير قدص المتعاقدين هل الكتابة ركن شكلي أو هي الطريق للاثبات ، فالقضاء في مصر وفرنسا يتلمس من ظروف الواقع قرينة على ترجيح أحد الفرضين ، فإذا لم توجد قرينة مرجحة كان المفروض أن المتعاقدين اشترطا الكتابة للاثبات لا للانعقاد لأن الأصل في العقود أن تكون رضائية . أنظر في هذا المعنى محكمة الاستئناف الوطنية في 21 فبراير سنة 1941 المجموعة الرسمية 15 رقم 105 – محكمة الاستئناف المختلطة في 18 مايو سنة 1933 م 45 ص 291 – ولكن القضاء المصري لم يستقر على هذا المبدأ وسيتبين ذلك فيما يلي – أنظر أيضاً في هذا المعنى محكمة النقض الفرنسية في 26 يونية سنة 1901 سيريه 1904 – 1 – 283 – وحكم آخر في 14 مايو سنة 1912 داللوز 1913 – 1 – 281 مع تعليق فاليرى Valery .
وقد كان المشروع التمهيدي يشتمل على نص في هذه المسألة يرجح أن تكون الكتابة للانعقاد لا للإثبات ، فكانت المادة 149 من هذا المشروع تنص على أنه " إذا اتفق المتعاقدان على أن يستوفى العقد شرطا خاصا لم يشترطه القانون ، فالمفروض عند الشك إنهما لم يقصدا أن يلتزما إلا من الوقت الذي يستوفى فهي العقد الشكلي المتفق عليه " . وقد جرى المشروع في ذلك على نهج كثير من التقنينات الحديثة ( القانون الألماني م 125 و م 154 فقرة 2 – قانون الالتزامات السويسري م 16 – القانون البولوني م 109 ) . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " إذا اتفق المتعاقدان على وجوب استيفاء شكل معين ، سواء أكان ذلك بمقتضى عقد تمهيدي أم كان بمقتضى شرط معين في عقد أصلي – كما هو الشأن في اشتراط الكتابة في التنبيه بالاخلاص في عقود الإيجار – فيفرض أن نيتهما قد انصرفت إلى ترتيب البطلان على عدم مراعاة هذا الشكل . وهذه هي دلالة القرينة التي تقيمها المادة 149 من المشروع . على أن الأمر لا يعدو مجرد قرينة بسيطة ، يجوز إسقاط حكمها بإثبات العكس ( التقنين الألماني تعليقات ج 1 ص 136 ) . وقد ذهب القضاء المصري إلى أنه إذا أريد تعديل عقد تم بالكتابة تعديلا ينطوي على تكليف جديد ، فيشترط أن يتفق ذوو الشأن على ذلك كتابة عن بينة منهم ( استئناف مختلط 23 ابريل سنة 1935 م 47 ص 263 ) . أما فيما يتعلق بالشكل الذي يتفق عليه المتعاقدان فلم يستقر القضاء على رأي بشأن دلالة الاتفاق عند الشك ، فهل يستتبع إغفال الشكل في هذه الحالة بطلان العقد ، أم يعتبر الشكل مشروطاً لتهيئة طريق للإثبات فحسب ؟ قضت محكمة الاستئناف المختلطة أنه لا يجوز لسمسار أن يتمسك بحصول الاتفاق بين المتعاقدين ليتأدى من ذلك إلى المطالبة بالسمسرة المتفق عليها إذا كان البيع قد علق على شروط عدة وأرجأ المتعاقدان ارتباطهما النهائي إلى وقت التوقيع على عقد يحرره محاموهما ما دام أن التوقيع لم يحصل ( 14 يناير سنة 1930 م 42 ص 182 ) . وعلى هذا النحو اعتبرت المحكمة أن إغفال الشكل الذي اتفق عليه يستتبع البطلان دون أن ينص صراحة علىذ لك . على أن هذه المحكمة نفسها قد حكمت في قضية أخرى بان العقود الرضائية تتم بمجرد التراضي ما لم يكن المتعاقدان قد اتفقا على التعاقد بعقد رسمي مع النص صراحة على انصراف نيتهما إلى تعليق الارتباط على اتمام العقد من طريق التوقيع عليه أمام موثق العقود ( 18 مايو سنة 1933 م 45 ص 291 ) . ويلوح أن المحكمة قد جنحت في هذا الحكم الأخير لاشتراط الاتفاق صراحة على أن إغفال الشكل المتفق عليه يستتبع البطلان . ومن المحقق أن النص الذي اختاره المشروع في المادة 149 من شأنه أن يضع حداً لتردد القضاء في هذا الصدد " . ولكن المادة 149 من المشروع التمهيدي عندما تليت في لجنة المراجعة اقترح حذفها لامكان الاستغناء عنها ، فوافقت اللجنة على ذلك . ومن ثم حذف هذا النص في المشروع النهائي ( أنظر في كل ذلك مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 73 – ص 74 في الهامش ) . وقد كان من الخير إبقاء النص حتى يضع حداً لتردد القضاء على ما تقول المذكرة الإيضاحية . أما وقد حذف ، فلا مناص من الرجوع على القواعد العامة . ولما كان الأصل في العقد أن يكون رضائياً ، فالأولى عند الشك أن تكون الكتابة للإثبات لا للانعقاد . والراجح في القضاء المصري والفرنسي يؤيد هذا الرأي كما قدمنا .
 ( [5] ويلاحظ أن كل عقد شكلي يكون التوكيل في عمله شكلياً أيضاً ( م 700 من القانون المدني الجديد ) ، وكذلك الوعد بابرام عقد شكلي يكون شكليا ( م 101 فقرة 2 ) ، وإجازة العقود الشكلية تكون شكلية مثلها . ويستوفى اشلكل أيضاً فيما يدخل على العقد الشكلي من تعديل لا فيما يضاف إليه من شروط تكميلية أو تفصيلية لا تتعارض مع ما جاء فيه .
وقد كان المشروع التمهيدي يشتمل على نص يورد بعض هذه الأحكام ، فكانت المادة 148 من هذا المشروع تنص على ما يأتي :
 " 1 - إذا فرض القانون شكلا معينا لعقد من العقود ، فلا يكون العقد صحيحاً إلا باستيفاء هذا الشكل ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك " .
 " 2 – إذا قرر القانون للعقد شكلا معينا ، فيجب استيفاء هذا الشكل أيضاً فيما يدخل على العقد من تعديل ، لا فيما يضاف إليه من شروط تكميلية أو تفصيلية لا تتعارض مع ما جاء فيه " . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " يقضي التقنين الألماني ( المادة 125 ) والتقنين السويسري ( المادتان 11 ، 12 من قانون الالتزامات ) والتقنين البرازيلي ( المادة 130 ) بان عدم استيفاء عقد من العقود للشكل الذي يفرضه القانون له يستتبع البطلان أصلاً ، ما لم ينص على خلاف ذلك . وقد اثر المشروع إتباع هذا المذهب مخالفا مذهب التقنين البولوني ( المادة 110 ) في هذا الشأن . فإذا تطلب القانون شكلا خاصا وأطلق الحكم بغير تعقيب ، فمن الطبيعي أن يكون استيفاء هذا الشكل شرطا لوجود العقد . أما إذا كان الشكل قد فرض لتهيئة طريق الإثبات فحسب ، فمن واجب القانون أن ينص صراحة على ذلك . وكل تعديل يدخل على عقد لا يتم إلا بالكتابة يعتبر باطلا إذا لم يستوف فيه هذا الشرط ، إلا أن يكون القانون قد قضى بغير ذلك . ويلاحظ أن معنى التعديل يتحقق في الشروط التي تتعارض مع مضمون العقد الأول ، لا في الشروط التفصيلية أو التكميلية التي لا تنطوي على مثل هذا التعارض ، فالاتفاق على ترميم منزل بيع بمقتضى عقد تم بالكتابة ليس إلا شرطاً تفصيليا لا ضرورة للكتابة فيه . ويختلف عن ذلك حكم ما يضاف إلى التعاقد الأول من شروط أو نصوص جديدة ( فيك ومورلا : تعليقات على تقنين الالتزامات السويسري ج 1 المادة 12 نبذة 4 و 5 ) . . . وقد ذهب القضاء المصري إلى أنه إذا أريد تعديل عقد تم بالكتابة تعديلا ينطوي على تكليف جديد . فيشترط أن يتفق ذوو الشأن على ذلك كتابة عن بينة منهم ( استئناف مختلط 23 ابريل سنة 1935 م 45 ص 263 ) . " وعندما تليت المادة 148 من المشروع التمهيدي في لجنة المراجعة ، رأت اللجنة بعد المناقشة حذفها ، استناداً إلى أنه في الحالة التي يصرح فيها المشرع بالمهمة التي يريدها للشكل الذي قرره للعقد لا تقوم أية صعوبة ، وفي الحالة التي لا يصرح فيها بذلك يترك الأمر لتقدير القاضي دون الأخذ بقرينة أخرى . ( أنظر في كل ذلك مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 72 – ص 74 في الهامش ) .
وهنا أيضاً كان من الخير إبقاء النص حتى لا يضطرب القضاء في تفسير نية المشرع في مسألة جوهرية كهذه المسألة . وقد كان النص المحذوف يتضمن قرينة قانونية على أن الشكل الذي يفرضه القانون يكون عند الشك للانعقاد لا للإثبات . وما دام النص قد حذف ، وزالت بحذفه هذه القرينة القانونية ، لم يبق إلا الرجوع إلى القواعد العامة في التفسير . وعندنا أنه إذا غم الأمر ولم يتبين القاضي – بعد أن يستنفد وسائل التفسير – ما إذا كان المشرع أراد الشكل للانعقاد أو للإثبات ، فالأولى أن يكون الشكل للانعقاد لا للإثبات . ولا يجوز هنا أن يقال – كما قيل في الشكل الذي يتفق عليه المتعاقدان – أن الأصل في العقد أن يكون رضائياً . فإن هذا الأصل إنما يصدق بالنسبة إلى المتعاقدين لا بالنسبة إلى المشرع . ولا يصح أن نسلم في يسر بأن المتعاقدين أرادوا خلق شكل لا يوجد العقد بدونه إلا إذا نصوا صراحة على ذلك . أما المشرع فسلطانه كامل في أن يخلق الشكل الذي يريد ، ومتى فرض شكلا ، ولم يقم دليل على أنه مقرر للإثبات ، فالمفروض أنه مقرر لانعقاد العقد .
هذا وقد جاء في المذكرة الإيضاحية مثل على الشروط التفصيلية والتكميلية التي لا تتعارض مع مضمون العقد المكتوب فلا تشترط فيها الكتابة . أما الشروط التي تدخل في العقد المكتوب تعديلا فتشترط الكتابة فيها ، فمثلها أن يتفق البائع والمشتري بعد كتابة عقد البيع على إنقاص الثمن أو على زيادته .
 ( [6] ) وقد كان المشروع التمهيدي يشير إلى ذلك ، فينص في المادة 123 على ما يأتي : " 1 –تسري على العقود ، المسماة منها وغير المسماة ، القواعد العامة التي يشتمل عليها هذا الفصل . 2 – أما القواعد التي ينفرد بها بعض العقود المدنية تقررها الأحكام الواردة في الفصول المعقودة لها ، وتقرر قوانين التجارة القواعد الخاصة بالعقود التجارية " . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " أخذ هذا النص عن المادة 9 من المشروع الفرنسي الإيطالي . وليس يقصد به إلى ترك يد الفقه والقضاء طليقة في تمييز أنواع أو أنماط مختلفة من العقود فحسب ، بل أريد به ، بوجه خاص ، تقرير المبدأ الأساسي الذي يقضي بان القواعد المتعلقة بالعقود بوجه عام تسري على العقود المسماة كالبيع والإجارة والشركة . وغني عن البيان أن بعض الأحكام الخاصة بهذه العقود قد ينطوي على استثناء من القواعد العامة . ولكن الأصل هو تطبيق القواعد العامة على العقود المسماة كالبيع والإجارة والشركة . وغني عن البيان أن بعض الأحكام الخاصة بهذه العقود قد ينطوي على استثناء من القواعد العامة . ولكن الأصل هو تطبيق القواعد العامة على العقود جميعاً ، دون تفريق بين العقود المسماة وغير المسماة ، ما لم يرد نص خاص بشان الاستثناء " . وعندما تليت المادة 123 من المشروع التمهيدي في لجنة المراجعة اقترح حذفها لعدم الحاجة إليها ، فوافقت اللجنة على ذلك . ومن ثم اغفل المشروع النهائي هذا النص لأنه يقرر حكما ظاهراً لا حاجة فيه إلى نص . ( أنظر في كل ذلك مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 2 ص 11 في الهامش ) .
ها وقد كان للعقود غير المسماة في القانون الروماني شأن آخر . فقد كان هذا القانون لا يعترف – فيما خلا العقود الشكلية – إلا بعقود محصورة العدد ، بعضها رضائي ، وبعضها عيني ، وأخرى اتفاقات يجعل لها قوة العقود . ومن هذه الاتفاقات عقود اعترف بها تدرجاً وبعد تطور طويل ، وهي العقود غير المسماة . وكانت عقوداً لا تتم إلا إذا قام أحد الطرفين تنفيذ ما اتفق عليه من الطرف الآخر . وتنقسم إلى أقسام أربعة : 1 – عقود يقوم فيها الطرف الأول بنقل حق عيني فيتولد في جانب الطرف الآخر التزام بنقل حق عيني كذلك ( do ut des ) ، مثل ذلك المقايضة . 2 – عقود يقوم فيها أحد الطرفين بنقل حق عيني فيلتزم الطرف الآخر بعمل شيء ( do ut facias ) ، مثل ذلك الهبة بعوض . 3 – عقود يقوم فيها أحد الطرفين بعمل شيء فيلتزم الطرف الآخر بعمل شيء كذلك ( facio ut facias ) ، مثل ذلك أن يسلم شخص حيازة شيء لآخر فيلتزم الآخر برد هذه الحيازة عند أول طلب ( convention de precaire ) . 4 – عقود يقوم فيها أحد الطرفين بعمل شيء فيلتزم الطرف الآخر بنقل حق عيني ( facio ut des ) ، مثل ذلك عقد المحاسبة ( aestimatum ) يسلم فيه التاجر بضاعة لآخر فيلتزم الآخر إذا باعها أن يدفع ثمنها المتفق عليه وإلا رد البضاعة إلى صاحبها ، وهو عقد يدور بين البيع والعمل والوكالة .
 ( [7] ) أنظر والتون 1 ص 98 – ص 100 . وقد قضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأن العقد الذي يعطي به شخص لأحد مجالس المديريات قطعة أرض نظير تعهد مجلس المديرية بإقامة مدرسة عليها في مدة معينة يعتبر عقداً غير مسمى ( 30 مايو سنة 1939 المحاماة 20 رقم 85 ص 232 ) . وقضت محكمة النقض بأنه إذا كان العقد مشتملا على التزامات متبادلة ، إذ التزم أحد الطرفين أن يملك الآخر ( مجلس مديرية المنيا ) قطعة أرض بشرط أن يقيم عليها مؤسسة خيرية ، فإنه لا يكون عقد تبرع ، كما أنه ليس ببيع ولا مقايضة ، وإنما هو عقد غير مسمى ، فلا تجب له الرسمية ، ولا يجوز الرجوع فيه ، وذلك على الرغم مما هو وارد ف يعقد الاتفاق من ألفاظ التنازل والهبة والتبرع ، فإن كل هذه الألفاظ إنما سيقت لبيان الباعث الذي حدا بصاحب الأرض إلى تمليك المجلس إياها ، فهي لا تؤثر بحال على كيان العقد وحقيقته ( نقض مدني 11 ابريل سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 49 ص 153 ) .
 ( [8] ) محكمة مصر الكلية الوطنية في 3 أكتوبر سنة 1927 المحاماة 8 رقم 260 ص 361 .
 ( [9] ) أصبح عقد القرض وعقد العارية وعقد رهن الحيازة ، في القانون المدني الجديد ، عقوداً ملزمة للجانبين بعد أن صارت عقوداً رضائية ، وكانت عينية في القانون القديم كما أسلفنا الذكر . فالتسليم لم يعد ركناً في هذه العقود ، بل هو التزام في ذمة المعير والمقرض والراهن . على أن هذه العقود ، حتى عندما كانت عينية في القانون القديم ، كانت في رأينا ملزمة للجانبين ( أنظر نظرية العقد للمؤلف ص 131 هامش رقم 1 ) ، إذ أن كلا من المعير والراهن كان – ولا يزال – ملتزماً بترك العين في يد المتعاقد الآخر إلى الوقت الذي ينتهي فيه العقد . وهذا الالتزام يقابله التزام المتعاقد الآخر بالمحافظة على العين . فإذا اخل هذا بالتزامه ، جاز للمتعاقد الأول فسخ العقد واسترداد العين . وفي عقد القرض يلتزم المقرض بعدم استرداد مثل ما اقرضه إلا عند نهاية العقد ، وهذا الالتزام يقابله التزام المقترض بدفع الفوائد المشترطة . فإذا اخل هذا بالتزامه جاز للمقرض فسخ القرض واسترداد ما اقرض . وهذا التحليل يفسر ما انعقد عليه الإجماع من أن قاعدة الفسخ تنطبق على هذه العقود . ثم لا نكون في حاجة إلى القول مع بعض الفقهاء بان قاعدة الفسخ تنطبق على العقود الملزمة لجانب واحد كما تنطبق على العقود الملزمة للجانبين ، ولا إلى مسايرة فقهاء آخرين في تسمية الفسخ في هذه العقود بالإسقاط ( decheance ) ، بل نبقى الفسخ على طبيعته ، وتقصره على العقود الملزمة للجانبين ، ونجعله في الوقت ذاته ينطبق على العقود التي نحن بصددها . وسنعود إلى هذه المسألة عند الكلام في الفسخ .
ونرى أن هذا التحليل لا يزال ضرورياً حتى بعد أن أصبح التسليم في هذه العقود الثلاثة التزاماً لا ركناً . وذلك لأن كلا من المقرض والمعير والراهن إذا فسخ العقد في حالة إخلال المتعاقد الآخر بالتزامه ، فإنه لا يتحلل بذلك من الالتزام بالتسليم ، بل من الالتزام بترك الشيء إلى نهاية العقد .
وقد اعترض بعض الفقهاء على هذا الرأي ( أنظر الدكتور أحمد حشمت أبو ستيت ص 55 – ص 66 والدكتور عبد المعطي خيال هامش فقرة 52 ) . وتتحصل اعتراضاتهم فيما يأتي :
ا ) أن وصف الواجب السبي المفروض على المعير بترك المستعير ينتفع بالعين المعارة ، وعلى الراهن بترك المرتهن يستغل العين المرهونة ، بأنه التزام وصف غير صحيح ، إذ أن هذا الواجب مفروض على الكافة أيضاً .
وردنا على هذا الاعتراض هو أن الواجب السلبي المفروض على المعبر وعلى الراهن يختلف اختلافاً جوهرياً عن الواجب السلبي المفروض على الكافة . فإن الكافة لا تربطهم علاقة شخصية بالمستعير والمرتهن ، فواجبهم السلبي في احترام حقهما هو ذات واجبهم السلبي في احترام أي حق آخر . أما المعير والراهن فقد ربطتهما علاقة شخصية بالمستعير والمرتهن ، والتزاما نحوهما التزاماً شخصياً بعدم استرداد العين قبل نهاية العقد . والفرق واضح بين التزامهما الشخصي بعدم استرداد العين وواجبهما السلبي في احترام أي حق آخر لا تربطهما بصاحبه علاقة شخصية .
ب ) أن تسليم العين المعقود عليها يتضمن في الوقت ذاته الالتزام بعدم التعرض ، فإن هذا هو غاية التسليم . والتسليم وغايته شيء واحد ، فتجزئته إلى مجرد تسليم وإلى تعهد بعدم المطالبة أو عدم التعرض تجزئة لما لا يقبل التجزئة .
وردنا على هذا الاعتراض هو أن التمييز بين التسليم وعدم التعرض ( أو عدم المطالبة ) أمر مألوف ، نراه واضحاً في عقود هامة كالبيع والإيجار . ومن المعروف إلا فرق بين العارية والإيجار إلا في الأجرة ، وها نحن نرى المؤجر يلتزم بتسليم العين المؤجرة ويترك المستأجر ينتفع بها إلى نهاية الإيجار ( في القانون القديم ) . فلماذا لا يلتزم المعير بتسليم العين المعارة ويترك المستعير ينتفع بها إلى نهاية العارية !
ج ) إذا أمكن تصور الفسخ في هذه العقود ، ف لايمكن تصور الدفع بعدم التنفيذ وتحمل التبعة .
وردنا على هذا الاعتراض هو أن هذا إنما يرجع إلى أن الدفع بعدم التنفيذ وتحمل التبعة يفترضان أن التسليم لم يتم . أما هنا فالتسليم قد تم ، ولم يبق إلا التزام بترك العين إلى نهاية العقد ، يقابله التزام بالمحافظة عليها .
 ( [10] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر بان العقد الاحتمالي هو الذي لا يستطيع فيه كل من المتعاقدين تحديد ما يحصل عليه من المنفعة وقت التعاقد . وهي لا تتحدد إلا فيما بعد تبعاً لوقوع أمر غير محقق كبيع الثمار قبل انعقادها والزرع قبل نباته بثمن جزاف . والبيع بسعر الوحدة ليس احتمالياً لأن كلا من البائع والمشتري يعلم وقت العقد ما أعطى كما يعلم ما أخذ ( 18 ابريل سنة 1948 المحاماة 31 رقم 135 ص 365 ) .
 ( [11] ) ومع ذلك أنظر المادة 214 من القانون اللبناني ، وقد جاء في الفقرة الأخيرة من هذه المادة أن العقود الاحتمالية ذاتها قد تكون قابلة للإبطال بسبب الغبن . ويمكن حمل ذلك على أن احتمال المكسب والخسارة في جانب أحد المتعاقدين بعيد عن أي تعادل مع هذا الاحتمال في جانب المتعاقد الآخر .
 ( [12] ) رجعنا في هذا الموضوع إلى رسالة قيمة للدكتور عبد الحي حجازي ، عنوانها " نظرية عقد المدة – العقد المستمر والدوري التنفيذ " . القاهرة سنة 1950 . وقد آثرنا أن نسمي " العقد الزمني " ما مسماه الدكتور عبد الحي حجازي " عقد المدة " . ولا يزال العقد الزمني في مستهل تطوره الفقهي . ومن الخير أن يترك للفقه حتى يستكمل تطوره ، فينتقل بعد ذلك إلى التقنين . وسنعود للإشارة إليه في أماكن أخرى متفرقة .
 ( [13] ) وإذا كان قد روعى في الثمن المؤجل أن تضاف إليه الفوائد عن المدة التي أجل فيها ، فإن الزمن في هذه الحالة لا يتدخل إلا في تحديد الفوائد ، وهي في العادة نسبة ضئيلة من الثمن . أما في الفوائد ذاتها ، فالزمن عنصر جوهري .
 ( [14] ) وهناك تقسيم للعقود ، من حيث طبيعتها ، إلى عقد ذاتي ( contrat subjectif ) واتفاق منظم ( convention institutionnelle ) . فالعقد الذاتي هو اتفاق بين شخصين لهما مصلحتان متعارضتان ، وتكون الرابطة بينهما رابطة ذاتية عرضية تقتصر عليهما ولا تجاوزهما إلى غيرهما . مثل ذلك عقد البيع ترى فيه تعارضاً بين مصلحة البائع ومصلحة المشتري . والرابطة بينهما ذاتية مقصورة عليهما ، وهي لا تلبث أن تزول في أهم مشتملاتها بانتقال ملكية المبيع إلى المشتري . أما الاتفاق المنظم فعلى النقيض من العقد الذاتي يوجد مركزاً قانونيناً منظماً ثابتاً ( statut, institution ) هو أقرب إلى القانون منه إلى العقد ، فيسري على الغير كما يسري على الطرفين . هذا إلى أن الطرفين في الاتفاق المنظم لا تناقض بين مصالحهما وليس فيهما دائن ومدين ، بل لهما غاية متحدة وغرض مشترك . مثل ذلك الشركة ، فإن الشركاء اتفقوا على أن يوجد بينهم هذا المركز المنظم الثابت لغرض مشترك هو الغرض الذي يسعون إليه من وراء اشتراكهم ، ولا تعارض فيما بين مصالح الشركاء يماثل التعارض بين مصلحة البائع ومصلحة المشتري في عقد البيع ، كما أن نظام الشركة لا يسري على الشركاء فحسب ، بل هو أيضاً يسري على الغير الذي يتعامل مع الشركة . ومثل ذلك أيضاً الاتفاق الجامع للعمل ( contrat collectif du travail ) وهو يرمي إلى تنظيم القواعد التي تسري على عقود العمل الفردية بين العامل ورب العمل ، فينظم بذلك حالة مستقرة ثابتة تسري على من اشترك في العقد وعلى من لم يشترك .
والواقع أن الفرق بين العقد الذاتي والاتفاق المنظم ليس على قدر كبير من الوضوح . فهناك من العقود الذاتية ما يوجد رابطة مستمرة غير وقتية كعقد الإيجار ، فإنه يخلق رابطة مستمرة بين المؤجر والمستاجر ، وهذه الرابطة قد يتعدى أثرها إلى غير المتعاقدين كالمشتري للعين المؤجرة . والوكالة وهي عقد ذاتي يتعدى أثرها هي أيضاً إلى الغير الذي يتعامل مع الوكيل . والشركاء في عقد الشركة ، التي هي اتفاق منظم ، لهم مصالح متعارضة ، إذ كل شريك يريد أن يعطي للشركة أقل حصة ممكنة ويفوز بأكبر ربح ممكن . ومن ثم تدرك السبب في أن تقسيم العقد إلى عقد ذاتي واتفاق منظم ، وهو قسيم ابتدعه الأستاذ ديجيه في افقه الإداري ، لم يسد في الفقه المدني .
 ( 1 ) يجب على التراضي أن يكون في شكل مخصوص كما في العقود الشكلية التي سبق ذكرها . ففي هذه الحالة يكون هذا الشكل المخصوص ركنا من أركان العقد .
 ( 1 ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المشروع التمهيدي في المادة 135 منه على الوجه الآتي : " يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين ، ما لم يقرر القانون أوضاعًا معينة لانعقاد العقد " . وجاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " قطع المشروع بإيثار مذهب افرادة الظاهرة بصورة واضحة في هذا النص ، فلم يتطلب لانعقاد العقد توافق إرادتين ، بل استلزم تبادل التعبير عن إرادتين متطابقتين " وهذا القول الذي ورد في المذكرة الإيضاحية يوهم أن القانون الجديد قد انحاز إلى نظرية الإرادة الظاهرة انحيازًا تامًا . والواقع غير ذلك . فقد رأينا أن القانون الجديد في وضعه النهائي قد سلك مسلكا وسطا بين نظريتي الإرادة الظاهرة والإرادة الباطنة ، بل هو قد جعل الإرادة الباطنة هي الأصل ، ولم يعدل عنها إلى الإرادة الظاهرة إلا إذا اقتضى استقرار التعامل هذا العدول . ولما تتلى النص الذي نحن بصدده في لجنة المراجعة ، أضيف إليه عبارة " فوق ذلك " ، فأصبح كما يأتي : " يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين ما لم يقرر القانون فوق ذلك أوضاعا معينة لانعقاد العقد " . ولما تتلى النص الذي نحن بصدده في لجنة المراجعة ، أضيف إليه عبارة " فوق ذلك " ، فأصبح كما يأتي : " يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين ما لم يقرر القانون فوق ذلك أوضاعا معينة لانعقاد العقد " . وقد أصبح مفهوما بهذا التعديل أن اشتراط أوضاع معينة لانعقاد العقد لا يغني عن تطابق الإرادتين . ثم قدمت المادة بالنص الآتي : " يتم العقد بمجرد أن يتبادل طرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة لانعقاد العقد " . وقد وافق مجلس النواب عليها دون تعديل تحت رقم 91 . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ تليت هذه المادة فوافقت اللجنة عليها كما هي بعد المناقشة وأصبح رقمها 89 . ووافق مجلس الشيوخ على النص كما أقرته لجنته . ( أنظر في كل هذا مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 8 ص 13 ) .
 ( 2 ) والذي يقع عادة أن الإرادتين المتطابقتين تتعاقبان ولا تتعاصران ، فيصدر الإيجاب أولا ، ثم يليه القبول مطابقا له . ومع ذلك قد تتعاصر الإرادتان المتطابقتان ، كما في الرجان على سباق الخيل ، إذ يدفع عدد من المتراهنين المبالغ التي يراهنون بها في وقت واحد . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " وفي الغالبية العظمى من الأحوال يبدأ أحد المتعاقدين بالإيجاب ، ثم يتلوه قبول المتعاقد الآخر . ولكن ليس من الضروري أن يلى القبول الإيجاب ، فقد يتم العقد يتلاقى تعبيرن متعاصرين عن إرادتين متطابقتين ، كما هو الشأن كما هو الشأن في الرهان على سباق الخيل " . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 10 )
 ( 1 ) وقد قضت محكمة النقض بأن المقصود بالرضاء الصحيح هو كون المتصرف مميزا يعقل معنى التصرف وبقصده ، والغرض من كونه مميزًا يعقل معنى التصرف أن يكون مدركا ماهية العقد والتزاماته فيه . أما كونه يقصده فالغرض منه بيان ألا بد من إرادة حقه منه لقيام هذا الالتزام . فالإرادة إذن ركن من الأركان الأساسية لأي تصرف قانوني ( وكان المتصرف وقت تحرير العقد مريضًا عصبيًا أفقده الإرادة وانتهى بالانتحار ) ( نقض مدني في 8 مارس سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 169 ص 329 ) .
وقد اشتمل المشروع التمهيدي على نصين في هذا الموضوع حذفا في المشروع النهائي فكانت المادة 127 من المشروع التمهيدي تنص على ما يأتي : " يكون التعبير عن الإاردة باطلا إذا صدر من شخص وهو في حالة غيبة أو هو مصاب باضطراب عقلي ولو كان الاضراب وقتيا ، بحيث يكون هذا الشخص فاقد التمييز " . وورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " يقصد من هذا الحكم إلى مواجهة حالات الاضطراب العارض التي لا تكفي لفقد الأهلية بوجه دائم وإن استتبعت فقد الإرادة ما بقى الاضطراب قائما ، كما هو الشأن في الغيبة والسكر والتنويم المغناطيسي ( أنظر التقنين الألماني تعليقات 1 ص 103 ) . ويفرق القانون الإنجليزي بين الصترفات التي تنعقد بإرادة منفردة والعقود التي لا تتم إلا بإرادتين . ويجعل من الاضطراب العقلي والسكر سببا لبطلان الأولى دون الثانية . والظاهر أن هذه التفرقة ترجع إلى مغالاة هذا القانون في الحرس على استقرار المعاملات ( جنكس م 64 و 69 ـ وولنستون 1 ص 111 ) " ولما تليت المادة 127 في لجنة المراجعة اقترح حذفها لوضوح حكمها ولعدم الحاجة إليها ، فوافقت اللجنة على ذلك .
وكانت المادة 128 من المشروع التمهيدي تنص على ما يأتي : " لا يكون التعبير عن الإرادة باطلا لمجرد أن صاحبه قد أضمر غير ما أظهر ، ولكنه يكون باطلا إذا كان من وجه إليه يعلم بهذا التحفظ الذهني " . وورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " يتناول هذا النص مسألة التحفظ الذهني ، وهي تثير من فورها أمر البحث في المفاضلة بين مذهب الإرادة الباطنة ومذهب الإرادة الظاهرة ، فإذا لم تطابق الإرادة الظاهرة الإرادة الباطنة فبأيهما يؤخذ ؟ أخذ المشروع بالمذهب الجرماني ، مؤثرا الإرادة الظاهرة ، وليس شك في أن هذا المذهب أكفل بتحقيق الاستقرار في نطاق الروابط القانونية وأكثر استجابة لمقتضيات الائتمان . وهو يصادف ، فضلا عن ذلك ، سندًا قويا في الشريعة الإسلامية ، غذ هي تعتد اعتدادا بينا بالإرادة الظاهرة ، متأثرة في ذلك بنزعة مادية واضحة ، فإذا كان من وجه إليه التعبير عالما بالتحفظ الذهني المتعلق بهذا التعبير ، فلا محل لعدم الأخذ بالإرادة الحقيقة إذ لم يعد في الأخذ بها إخلال بتأمين المعاملات . وقد ذهب القضاء المصري إلى إيثار المذهب الذي اتبعه المشروع في الفروض النادرة التي طرحت عليه بشأن التحفظ الذهني ( استئناف مختلط 20 فبراير سنة 1896 م 8 ص 132 ) " ولما تليت المادة 128 في لجنة المراجعة اقترح حذفها " لأن فيها إمعانا في الدقة لا حاجة لنا به " فوافقت اللجنة على ذلك .
 ( أنظر في كل هذا مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 29 ـ ص 30 في الهامش ) .
 ( 1 ) ويقرر علماء النفس أن الإرادة يسبقها عملا تحضيريان ويليها عمل تنفيذي . فأول مرحلة هي اتجاه الفكر إلى أمر معين ، وهذا هو الإدراك ( conception ) . ثم يلى ذلك مرحلة التدبر ( deliberation ) فيزن الشخص الأمر وبتدبره . ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي إمضاء العزيمة في هذا الأمر والبت فيه ، وهذه هي الإرادة ( volition ) . فإذا انعقدت لم يبق بعد ذلك إلا مرحلة رابعة وهي مرحلة التنفيذ ( execution ) . وهذه المرحلة الأخيرة هي عمل خارجي ، أما المراحل الثلاث الأولى فهي مراحل داخلية نفسية : اثنتان منها ترجعان إلى التفكير والثالثة هي الإرادة المقصودة .
وتميز علماء النفس هذه المراحل بعضها عن بعض حتى لا تختلط الإرادة بالرغبة ، وهذا شيء سابق ، ولا تلتبس بالتنفيذ ، وه وشيء لاحق . وإلا فإن النظريات الحديثة في علم النفس لا تسلم بالتمييز فيما بين المراسل المختلفة هذا التمييز الدقيق فإنه يصعب القول بأن العمل النفسي ، وهو بطبيعته عمل معقد ، يمر على مراحل متميزة بعضها عن بعض تميزا فيه كل هذا الوضوح ومن الصعب الجزم بأن الإنسان لا يدخل في مرحلة التدبر إلا بعد أن يتم مرحلة الإدراك . فإن الإدراك والتدبر ينفعل أحدهما مع الآخر التدبر لا يزن فيها الإنسان الأمر على هذا النحو المادي ، فيستخلص أسبابا للإقدام على العمل وأخرى للإحجام عنه ، فإن العمل النفسي أكثر تعقيدا وأقل وضوحًا . فإذا انتهينا إلى مرحلة الإرادة خيل لمن يتتبع التحليل المتقدم أن هناك قوة نفسية مستقلة ، غير قوة الإدراك وقوة التدبر ، هي التي تتولى البت في الأمر وتكون حكا لا تعقيب على حكمه ، مع أن الإرادة ليست إلا ما ينتهي إليه الإدراك والتدبر ، فهي ليست مستقلة عنهما ، وما هي إلا امتداد طبيعي لما أودع في الإنسان من تكفير وتمييز وتبصير .
 ( 1 ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المشروع التمهيدي ( م 124 ) على الوجه الآتي : " 1 – يجوز التعبير عن الإرادة بالألفاظ وبالكتابة وبالإشارة المتداولة عرفا ، كما يجوز ذلك أيضًا باتخاذ موقف يكون من شأنه تعبا للظروف ألا يدع شكا فيما يشتمل عليه هذا التعبير . 2 – ويجوز أن يكون التعبير عن الإرادة ضمنيا إذا لم يقض القانون أو ينفق الطرفان على أن يكون صريحًا " . فأدخلت لجنة المراجعة عليه تعديلات لفظية أصبح بعدها مطابقًا للنص الوارد في القانون ، وأخذ رقم المادة 92 من المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على النص دون تعديل تحت رقم 92 . ولما تليت المادة في لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ دارت مناقشات طويلة حولها انتهت إلى أن أغلبية اللجنة رأت حذفها ، ثم رجع عن هذا الرأي في جلسة أخرى وأقرت بقاءها ، وأصبح رقم المادة 90 . ووافق مجلس الشيوخ على النص كما أقرته اللجنة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 14 و ص 15 ـ ص 19 ) .
 ( 1 ) وقد كان المشروع التمهيدي يشتمل على النص الآتي ( م 134 من المشروع ) : " 1 - يعتبر عرض البائع مع بيان ثمنها إيجابا 2 - أما النشر والإعلان وبيان الأسعار الجاري التعامل بها وكل بيان آخر متعلق بعرضو أو طلبات موجهة للجمهور أو للأفراد ، فلا يعتبر عند الشك إيجابًا ، وإنما يكون دعوة إلى التفاوض " فاقترح حذف هذا النص في لجنة المراجعة لعدم الحاجة إليه إذ يسهل على القضاء تطبيق هذا الحكم دون نص عليه " فوافقت اللجنة على ذلك . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 41 في الهامش ) .
 ( 2 ) وقد يكون السكوت تعبيرًا صريحًا عن القبول كما سيجيء ( قارن حكما لمحكمة النقض ـ الدائرة المدنية ـ في 21 إبريل سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 410 ص 760 ، وقد استخلصت المحكمة قبول المنذر إليه قبولا ضمنيا من سكوته عن الرد على ما تضمنه الإنذار ) . .
 ( 1 ) أما إذا استأجر العين من الواعد فهذا دليل على رفض الوعد بالبيع . وقد استخلصت محكمة النقض عدول الموعود بالبيع عن الشراء من طلبه من الواعد أن يؤجره أطيانا تشمل العين الموعود ببيعها ( نقض مدني 6 يونيه سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 90 ص 188 ) . ولم تر محكمة النقض أن تستخلص إيجابا ضمنيا بالهبة من أن المورث فتح حسابا خاصا في البنك لولديه أودع فيه باسمهما المبلغ المتنازع عليه ، وقالت في هذا الصدد ما يأتي : " إذا كان كل ما قاله الحكم لإثبات الهبة أن المورث قد فتح حسابا خاصا في البنك لولديه أودع فيه باسمهما المبلغ المتنازع عليه وأنه فتتح هذا الحساب الخاص مع وجود حساب باسمه هو في ذات البنك ، فهذا الذي قاله الحكم ليس فيه ما يدل على صدور إيجاب بالهبة من المورث لأن نية الهبة لا تفترض ، وفعل الإيداع ليس من شأنه بمجرده أن يفيدها إذ هو يحتمل احتمالات لا يرجح أحدها إلا بمرجح " . ( نقض مدني 8 أبريل سنة 1948 مجموعة عمر 5 رقم 298 ص 590 ) .
 ( 2 ) وقد لا يصل المشرع إلى حد أن يتطلب تعبيرًا صريحًا ، ولكنه يتطلب مثلا اتفاقا خاصًا ( أنظر م 309 و م 445 وم 781 ) ، أو ينص على أن الإرادة لا نفترض ( أنظر 279 وم 354 وم 360 ) ، أو يستوجب أن يكون تغير الإرادة تفسيرًا ضيقًا ( أنظر م 555 ) وفي جميع هذه الأحوال لا يشترط التعبير الصريح ، ولكن تجب الحيطة والتشدد في استخلاص التعبير الضمني .
 ( 1 ) أنظر آنفا فقرة 48 في الهامش .
 ( 2 ) وقد جرى القضاء المصري على الاعتداد بالتعبير الضمني عن الإرادة كما يعتد بالتعبير الصريح ( استئناف مختلط في 13 فبراير سنة 1896 م 8 ص 118 ـ وفي 12 مارس سنة 1930 م 42 ص 352 ) . وذهب كذلك إلى أن مسلكا معينًا أو ضربًا من ضروب التصرف قد يعتبر إفصاحًا عن الإرادة ( استئناف مختلط في 16 مايو سنة 1929 م 41 ص 401 ) .
 ( 3 ) بعض المراجع الرئيسية : سالي في الإعلان عن الإرادة ـ بنكاز تكملة بودري جزء 2 ـ ديموج في الالتزامات جزء أول ـ بلانيول وريبير وإسمان جزء أول ـ ديريه ( Dereux ) رسالة في تفسير الأعمال القانونية سنة 1905 ، وانظر أيضًا مقالا له في المجلة الانتقادية سنة 1901 ـ مقال الأستاذ مينال ( Meynial ) في الإعلان عن الإرادة في مجلة القانون المدني الفصيلة سنة 1902 ص 545 ـ ص 573 ـ مقال الأستاذ هوريو ( Hauriou ) والأستاذ جيليوم دي بيزان ( Guillaume de Bezin ) في الإعلان عن الإرادة في القانون الإداري الفرنسي في مجلة القانون المدني الفصلية سنة 1913 ص 543 ـ 586 ـ نظرية العقد للمؤلف ص 150 وما بعدها ـ أصول الالتزامات للدكتور حلمي بهجت بدوي بك ص 82 وما بعدها ـ نظرية الالتزام للدكتور أحمد حشمت أبو ستيت بك ص 70 وما بعدها .
 ( 1 ) وقد تأثر القانون الألماني بالفقه الألماني ، فأخذ إلى حد كبير بنظرية الإرادة الظاهرة وطبق القانون الإنجليزي هذه النظرية في كثير من الفروض ( أنظر جنكس م 77 : إذا استعمل شخص طرقا للتعبير عن إرادته بحيث يكون من المعقول تبعًا للظروف أن يفهم منها معنى معين ، فلا يجوز له أن ينكر هذا المعنى في مواجهة شخص تصرف عن حسن نية تصرفا يتلاءم مع هذا المعنى . وانظر أيضًا بولوك في العقد طبعة تاسعة ص 5 ـ ص 6 ـ وولتن في العقد جزء أولى فقرة 94 ) .
أما الشريعة الإٍسلامية فلو أن القاعدة فيها أن العبرة بالمعاني أي بالإرادة الحقيقية للمتعاقدين ، إلا أن الفقهاء في كثير من الفروض يقفون عند المعاني الظاهرة من الألفاظ التي استعملها المتعاقدان ، فلا يتعدونها إلى المعاني الكامنة في السريرة . ولعل هذا يفسر تحليلهم الدقيق لبعض العبارات والألفاظ ، ووقوفهم طويلا عند شرح ما تتضمنه هذه العبارات من المعاني ، وما يستتبعه اختلاف التعبير من اختلاف الأحكام فليس هذا منهم في رأينا استمساكًا باللفظ ، بل هو تغليب للإرادة الظاهرة على الإرادة الباطنة . هذه إلى أن هناك ثلاثًا جدهن جد وهزلهن جد ، أي أن الإرادة الظاهرة تتغلب فيها حما على الإرادة الباطنة ، وهي الزواج والطلاق والعتاق ( التلويح والتوضيح جزء 2 ص 787 ـ 789 ) .
 ( 1 ) ذلك أن أنصار الإرادة الظاهرة لا يغفلون الإرادة الباطنة على نحو مطلق . فهم يشترطون أن يكون وراء مظهر التعبير إرادة كامنة ، ولكن هذه الإرادة تكون مقصورة على أن يقصد بالإرادة الظاهرة أن تتخذ مظهرها الخارجي لتحدث أثرها القانوني ( Volonte de declarer ) فمن يعبر عن إرادته بالكتابة لا يقصد بهذه الإرادة المكتوبة أن تتخذ مظهرها الخارجي في الكتابة لتحدث أثرها القانوني إلا وقت أن يوقع على هذه الكتابة ، بل هو في الغالب لا يقصد ذلك إلا بعد أن يسلم الورقة المكتوبة ، أو بعد أن يقوم بتصديرها . ويترتب على ذلك أن أفعال الطفل أو المجنون لا يصح أن تؤخذ مظهرًا ماديا يعتد به في التعبير عن الإرادة ، لأن إرادة الطفل أو المجنون معدومة ، فلا يصح أن يقال إنه قصد أن تتخذ إرادته هذا المظهر الخارجي لتحدث أثرها القانوني ( أنظر المادتين 127 و 128 من المشروع التمهيدي وقد مر ذكرهما . وانظر في هذا المعنى فون تور Von Tuhr ص 132 ـ سالي في إعلان الإرادة ص 2 ـ رسالة الدكتور الشيني المقدمة لمعهد القانون المقارن بجامعة باريس في تكوين العقد وتفسيره في القانون المدني المصري الجديد ص 64 هامش رقم 3 ) .
ولا بد من وجود الإرادة الظاهرة وجودًا حقيقيًا ، فالإرادة المكتوبة لا وجود لها إذا كانت مزورة ، أما إذا لم تكن مزورة فهي موجودة حتى لو وجهت إلى غير الشخص المقصود ، بأن وجهت خطأ إلى شخص آخر يحمل اسم الشخص المقصود ( فون تور von tuhr ص 136 ـ رسالة الدكتور الشيني المشار إليها ص 84 فقرة 75 ) .
هذا والنتائج العملية للتمييز بين مبدأي الإرادة الباطنة والإرادة الظاهرة محدودة ، وهو لا تظهر إلا إذا أمكن تقديم دليل على أن الإرادة الظاهرة تختلف عن الإرادة الباطنة ، وقاما يستطاع إثبات ذلك ، وفي الأحوال القليلة التي يمكن فيها تقديم هذا الدليل بتقارب المبدآن من ناحية أخرى . ذلك أن مبدأ الإرادة الباطنة لا يترك المظهر الخارجي الخاطئ دون جزاء ، بل يرتب عليه الحق في التعويض ، على أساس المسئولية التقصيرية ، لمن اطمأن لهذا المظهر حماية للثقة المشروعة .
ومهما يكن من الأمر فلا يزال هناك فرق بين المبدأين لا يجوز إغفاله ، فنظرية الإرادة الظاهرة تنظر إلى الإرادة باعتبارها ظاهرة اجتماعية . أما نظرية لإرادة الباطنة فتنظر إلى الإرادة باعتبارها ظاهرة نفسية . وهذا الفارق يترتب عليه نتيجتان عمليتان : ( 1 ) عند تفسير العقد إذا أخذا لقاضي بمبدأ الإرادة الظاهرة فهو لا يكون ملزمًا أن يتحسس الإرادة الداخلية فيما تجته سريرة المتعاقدين ، بل هو يقف عند المظهر الخارجي للتعبير عن الإرادة ، فيفسره تفسيرًا اجتماعيًا لا نفسيًا ، مستندًا في ذلك إلى العرف الجاري وإلى المألوف في التعامل . ( 2 ) إذا أخذ القاضي بمبدأ الإرادة الظاهرة فإن مسألة تفسير العقد تصبح مسألة قانون تخضع لرقابة محكمة النقض ما دام الغرض ليس هو تفسير نية المتعاقدين بل تفسير نص العقد ، فيكون حكم ذلك حك تفسير نص القانون . أما إذا كان التفسير يتجه إلى بحث الإرادة الباطنة ، فهذه مسألة واقع لقاضي الموضوع فيها الرأي الأعلى ، وسنتناول هذه المسألة بتفصيل أوفى عند الكلام في تفسير العقد .
 ( 1 ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المشروع التمهيدي ( م 125 ) على الوجه الآتي :
 " 1 ـ ينتج التعبير عن الإرادة أثره في الوقت الذي يصل فيه إلى من وجه إليه بحيث يتمن هذا من العلم به . ولا يكون له أثر إذا وصل عدول عنه إلى من وجه إليه التعبير عن الإرادة قبل أن يصل إليه هذا التعبير أو في الوقت الذي وصل إليه فيه 2 ـ إذا وصل عدول بعد وصول التعبير عن الإرادة ، وكان قد صدر بحيث كن يصل في الظروف المعتادة ، قبل وصول التعبير عن الإرادة ، وكان قد صدر بحيث كان يصل ، في الظروف المعتادة ، قبل وصول التعبير عن الإرادة أوفي الوقت ذاته ، فيجب على من وجه إليه العدول أن يخطر الطرف الأخر فورًا بهذا التأخر ،فإذا تهاون في الإخطار اعتبر وصول العدول في وقت غير متأخر " ولما تلى النص في لجنة المراجعة ، اقترح حذف الجزء الثاني من الفقرة الأولى لعدم الحاجة إليه ، وكذلك الفقرة الثانية جميعها لأنها تقرر حكا تفصيليا لا يحسن أن يقرر بنص تشرعي ، فوافقت اللجنة على ذلك . ثم ناقشت الجزء الباقي من المدة ، واستقر الرأي على أن التعبير عن الإرادة ينتج أثره بالعلم ، ولكن لما كان العلم أمرًا متعذر الإثبات فيحسن أن يؤخذ الوصول قرينة عليه لأنه أكثر انضباطًا . على أن تكون هذه القرينة قابلة لإثبات العكس " والطرف الذي وجه إليه التعبير عن الإرادة هو الذي يتحمل عبء إثبات العكس . وأصبحت المادة في صيغتها النهائية ( م 93 من المشروع النهائي ) كما يأتي : " ينتج التعبير عن الإرادة أثره في الوقت لذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه ، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به إلا أن يقام الدليل على عكس ك " . وقد وافق مجلس النواب على المادة دون تعديل تحت رقم 93 ثم عرضت على لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ، فرأت الأغلبية حذفها ، ثم أعادت اللجنة النظر فيها فأقرت بقاءها ، وأصبح رقمها 91 . ووافق مجلس الشيوخ عليها بعد ذلك ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 19 ـ ص 28 ) .
ونذكر هنا أن القانون المدني السوري الجديد الذي صدر بعد القانون المدني المصري الجديد بزمن قليل ـ وعين لنفاذه تاريخ سابق على التاريخ الذي عين لنفاذ القانون المصري نفسه ـ سار على نهج القانون المصري في الغالبية العظمى من نصوصه وأحكامه . ومن الفروق النادرة ما بين القانونين أن القانون السوري لم ينقل عن القانون المصري نص المادة 91 . ويبدو أنه أراد بذلك أن يجعل التعبير عن الإرادة لا يتأخر إنتاجه لأثره إلى الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه إليه . ويعزز هذا التفسير أنه جعل التعاقد فيما بين الغائبين يتم في المكان الذي صدر فيه القبول ( م 98 من القانون السوري ) لا في المكان الذي علم فيه الموجوب بالقبول ( م 97 من القانون المصري ) . وسيأتي تفصيل ذلك عند الكلام في التعاقد ما بين الغائبين .
 ( 1 ) لم تورد المذكرة الإيضاحية للمادة 125 من المشروع التمهيدي ( وهي المقابلة للمادة 91 من القانون الجديد ) الأمر على النحو الذي بيناه في المتن . فهي قد بنت إنتاج التعبير لأثره عند وصوله إلى علم من وجه إليه على فكرة أن الإيجاب ملزم بوجه عام ، فقبل العلم يكون الإيجاب موجودًا وجودًا فعليا ووجودًا قانونيًا ولكن يجوز الرجوع فيه إلى وقت العلم ، ومنذ هذا ا لوقت يكون ملزمًا لا يجوز الرجوع فيه ، وكان هذا النظر يتمشى مع المشروع التمهيدي الذي جعل الإيجاب ملزمًا ( م 129 من هذا المشروع ) . وهذا ما ورد في المذكرة الإيضاحية في صدد المادة 125 من المشروع التمهيدي : " تتناول هذه المادة تعيين الوقت الذي يصبح فيه التعبير عن الإرادة نهائيًا لا يجوز العدول عنه ( اقرأ : الرجوع فيه ) . فمن الواجب التمييز بين وجود التعبير ، وهذا الوجود يتحقق وقت صدوره إذ يصبح عملا قانونيًا قائمًا لا يتأثر وجوده بوفاة من صدر منه أو يفقد أهليته ، وبين استكمال هذا التعبير لحكمه وتوفر صفة اللزوم له تفريعًا على ذلك ، وهذا لا يتحقق إلا في الوقت الذي يصل فيه التعبير إلى من وجه إليه " . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 19 ـ ص 20 ) .
ولما كان المشروع النهائي ، ومعه القانون الجديد ، قد عدل عن جعل الإيجاب ملزمًا بوجه عام ، فحذف المادة 129 من المشروع التمهيدي ، كان من الواجب أن يدخل تعديل في الاعتبارات التي من أجلها لا ينتج التعبير أثره إلا من وقت العلم به ، على النحو المبسوط في المتن .
 ( 1 ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 126 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي :
 " لا يؤثر في صحة التعبير عن الإرادة أن يكون من صدر منه أو من وجه إليه هذا التعبير قد مات أو فقد أهليته ، ما لم يتبين العكس من إرادة الطرفين أو من طبيعة التعامل " ولما عرض النص على لجنة المراجعة دارت مناقشة طويلة حوله وكان هناك من يرى أن التعبير يسقط إذا مات صاحبه أو فقد أهليته قبل العلم به . وبعد المناقشة جعل هذا الحكم مقصورًا على موت من وجه إليه التعبير أو فقده لأهليته . وانتهت المناقشة إلى تعديل النص على الوجه الذي استقر في القانون الجديد ، وأصبح رقم المادة 94 في المشروع النهئي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل تحت رقم 94 . وكذلك وافقت لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ على النص تحت رقم 92 ، وجاء في تقريرها ما يأتي : " اقترح الاستعاضة عن المادة 92 بالنص الاتي : " ينقض التعبير عن الإرادة بموت صاحبه أو بفقد أهليته قبل أن يتصل التعبير بعلم من وجه إليه ، لأن نص المشروع في هذه المسألة يخالف المستقر والمألوف في صمر وفرنسا ، ولأنه قد يفضي إلى الإضرار بورثه المتوفى أو فاقد الأهلية ، إذ قد لا يتيير للورثة أو ممثل فاقد الأهلية الإحاطة في الوقت المناسب بتصرفات من عبر عن الإرادة ولم تر اللجنة الأخذ بهذا الاقتراح لأن التعبير عن الإرادة متى صدر صريحًا ارتبطت به مصالح لا يجوز إهدارها بسبب حادث طارئ هو موت من صدر منه هذا التعبير أو فقده لأهليته ، ولا يبقى بعد ذلك من سند للاقتراح إلا الإبقاء على المألوف ، ولكن اللجنة راعت أن هذا المألوف لا يستند إلى أساس ففهي أو منطق سليم ، بل الفقه والمنطق يقضيان بالاعتراض للتعبير عن الإرادة بكيان ذاتي ، ومثل هذا الوضع أكثر ضمانًا لاستقرار المعاملات وحماية المصالح ط . وقد وافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها اللجنة . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 29 ص 35 ) .
 ( [33] ) انظر محكمة الاستئناف الوطنية في 9 مارس سنة 1930 المحاماة 4 ص 44 ) – محكمة طنطا في 6 ديسمبر سنة 1930 المجموعة الرسمية رقم 32 ص 305 – وكانت المادتان 50 / 72 من القانون القديم تطبقان هذا المبدأ في عقد الهبة فتنصان على ما يأتي : " تبطل الهبة بموت الواهب أو بفقد أهليته للتصرف قبل قبول الموهوب له " .
 ( 1 ) هذا ولو اعتبرنا الإيجاب ملزمًا كما كان الأمر في المشروع التمهيدي ، لأمكن القول أيضًا بتمام العقد في الفرض الآتي : شخص في مصر كتب لآخر في فرنسا يعرض عليه صفقة ، ومات الموجب قبل أن يصل الكتاب إلى الطرف الآخر ، ولم يكن هذا عند وصول الكتاب إليه بعلم بموت الموجب ، فقبل الصفقة .
 والسبب في أن الصفقة لا تتم في هذا الفرض إذا لم تعتبر الإيجاب ملزمًا هو أن القبول لا يصل إلى الموجب إلا بعد موته ، ومن ثم فلا ينتج أثره . أما إذا اعتبرنا الإيجاب ملزمًا ومات الموجب ، فإن التزامه بالبقاء على إيجابه ينتقل إلى ورثته ، فإذا وصلهم القبول أنتج أثره وعلى هذا الأساس الأخير سارت المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي إذ كان الإيجاب ملزمًا في هذا المشروع .
 ( 1 ) ولما كان القانون الجديد قد استحدث هذا الحكم ، فلا يكون له أثر رجعي . فلو أن القابل مات أو فقد أهليته قبل نفاذ القانون الجديد ( أي قبل 15 أكتوبر سنة 1949 ) ، فإن قبوله يسقط بالموت أو يفقد الأهلية طبقًا للقانون القديم . لكن إذا صدر القبول قبل نفاذ القانون الجديد ومات القابل أو فقد أهليته بعد نفاذه ، فإن القبول لا يسقط بالموت أو فقد الأهلية طبقًا للقانون الجديد ، وذلك تطبيقًا لنظرية الأثر الفوري ( effet immediate ) .
 ( 1 ) وقد سارت المذكرة الإيضاحية للمادة 126 من المشروع التمهيدي ( وهي التي تقابل المادة 92 من القانون الجديد ) على الأساس الذي سارت عليه في المادة السابقة ، فاعتبرت أن عدم سقوط التعبير للموت أو فقد الأهلية إنما جاء نتيجة منطقية لكون الإيجاب ملزمًا ، فورد في هذا الصدد ما يأتي : " " يقضى النص بأن التعبير عن الإرادة لا يسقط بموت من صدر منه أو بفقد أهليته ، وهذا الحكم ليس إلا نتيجة منطقية للزوم التعبير عن الإرادة . فالالتزام بالإبقاء على التعبير ، أو بعبارة أدق بالارتباط به ، يظل قائمًا بعد الموت أو فقد الأهلية ، شأنه في ذلك شأن أي التزام آخر . فإذا كان التعبير عن الإرادة إيجابًا وفقد الموجب أهليته قبل صدور القبول ، وجه القبول بداهة إلى نائبه لا إلى شخصه " .
وهذا التعليل إذا صلح في قانون يعتبر الإيجاب ملزمًا بموجه عام كما كان الأمر في المشروع التمهيدي ، فهو لا يصلح تعليلا في قانون لا يعتبر الإيجاب ملزما إلا في حالات خاصة . على أن المذكرة الإيضاحية سارت إلى مدى أبعد في تقرير عدم سقوط التعبير بالموت أو فقد الأهلية حتى لو لم يكن التعبير ملزما ، إذا قالت : " ووجود التعبير ، حتى قبل أن يصبح لازما ، لا يتأثر هو أيضًا بالموت أو بفقد الأهلية … " وغنى عن البيان أن حق العدول ينتقل إلى ورثة الشخص أو ممثليه إذا حدثت الوفاة أو طرأ فقد الأهلية قبل وصول التعبير " . وهذه الفقرة من المذكرة الإيضاحية تصلح تفسيرًا صحيحًا للقانون الجديد ، ويضاف إليها أن حق الرجوع في الإيجاب ينتقل هو أيضًا إلى ورثة الشخص أو ممثليه إذا حدثت الوفاة أو طرأ فقد الأهلية بعد وصول التعبير ، وذل كفي الحالات التي لا يكون فيها الإيجاب ملزمًا .
 ( أنظر في كل ذلك مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 31 ) .
 ( 2 ) وكان المشروع التمهيدي ( م 126 ) يقرر غير ذلك ، على الوجه الذي بيناه فيما تقدم ولكن المشروع النهائي عدل النص على الوجه الذي رأيناه في القانون الجديد كما أسلفنا القول وقد كان القانون القديم يستثنى عقد الهبة من المبدأ القاضي بأن موت من وجه إليه التعبير أو فقده لأهليته بسقط التعبير ، فكانت المادتان 51 / 73 من هذا القانون تنصان على أنه " يسوغ أن يحصل قبول الهبة من ورثة الموهوب له إذا كان قد توفى قبل القبول ، وفي حالة الهبة لمن ليس أهلاً للقبول يصح قبولها من يقوم مقامه " ولم يرد لهذا النص القديم مقابل في القانون الجديد ، فلا يؤخذ الآن بهذا الحكم الاستثنائي إذ لا نص عليه .
هذا ، ويجب التمييز بين المبدأين أخذ بهما القانون الجديد ، فهو من جهة قرر أن التعبير عن الإرادة لا يسقط بموت صاحبه . وهو من جهة أخرى قرر أن هذا التعبير لا ينتج أثره إلا إذا وصل إلى علم من وجه إليه . ولكل من هذين المبدأ نطاقه الخاص . ويترتب على الجمع بينهما ما يأتي : ( 1 ) إذا صدر تعبير من الموجب ، ومات هذا قبل أن يصل الإيجاب إلى علم الطرف الآخر ، فإن التعبير يبقى قائما ولهذا الطرف الآخر أن يقبل الإيجاب ولكن هذا القبول لا ينتج أثره إلا إذا وصل هو أيضًا إلى علم الموجب ، وهذا قد مات فلا يتم العقد ( 2 ) إذا صدر قبول من الطرف الآخر ومات هذا ، بقى قبوله قائمًا ، ومتى وصل إلى علم الموجب تم العقد . لكن إذا مات الموجب قبل أن يصل القبول إلى عامه ، فإن القبول لا ينتج أثره ولا يتم العقد .
 ( 1 ) إذا كانت النيابة تبدو في القانون الحديث نظاما منطقيًا معقولا " فإن الأمر لم يكن كذلك في القوانين القديمة . فقد كانت هذه القوانين تستعصبى على فكرة النيابة ، ولم تسلم بها إلا ندرجًا وفي حدود معينة .
كان القانون الروماني يعترف من قديم بنيابة الابن والعبد عن رب الأسرة ، ولكن في جعله دائنا لا مدينًا . ثم أخذ يعترف بنيابتها في جعل رب الأسرة مدينًا أيضًا ولكن في حدود معينة . أما غير الابن والعبد فلم يكن له أن ينوب عن غيره ممن لا يخضع لسلطته لا دائنا ولا مدينا . فإذا وكل شخص آخر في عمل يقوم به مع الغير ، فالغير لا يعرف إلا الوكيل يرجع عليه ، وكذلك شخص آخر في عمل يقوم به مع الغير ، فالغير لا يعرف إلا الوكيل يرجع عليه ، وكذلك الموكل لا يعرف إلا الوكيل . ولم تكن هناك علاقة مباشرة بين الغير والموكل . ثم تطور القانون فصار للغير دعوى قبل الموكل مع استيفاء دعواه الأصلية قبل الوكيل ، ما لم يكن النائب وكيلا تحكم القانون كالوصي والقيم ، فقد كان يعطى دفعًا لدعوى الغير ، وفي في هذه الحالة كان الغير لا يستطيع الرجوع إلا على الأصيل فكانت النيابة كاملة . أما أن يعطي الموكل دعوى قبل الغير ، أي أن يصبح الشخص دائنا بوكيل ، فهذا ما لم يتم في القانون الروماني إلا في حالات معينة منها حالة النيابة القانونية . وبقى الوكيل هو الدائن للغير ، ويؤدي بعد ذلك حسابا للموكل فيكون مديناً له ( انظر جيرار ص 678 ، ص 690 – وانظر في القانون الفرنسي القديم بريسو ( Brissaud ) ص 1442 وما بعدها ) .
وفي الشريعة الإسلامية اختلفت المذاهب في هذا الموضوع . فأبو حنيفة يرجع حكم العقد إلى الموكل ، أما حقوق العقد فترجع إلى الوكيل ، وهو في هذا قريب من القانون الروماني على النحو الذي تقدم . والشافعي يرجع حكم العقد وحقوقه إلى الموكل دون الوكيل ، وهو في هذا يتفق مع القانون الحديث ( انظر البدائع 6 ص 33 – ص 34 ) .
 ( [39] ) وقد ينظر إلى النيابة بالنسبة إلى المصدر الذي يضفي على النائب صفة النيابة . فتكون قانونية كام في الولي ، فإن القانون هو الذي يعين الأولياء . وتكون قضائية كما في الوصى والقيم والحارس القضائي ، فإن جهة قضائية هي التي تختار هؤلاء . وتكون اتفاقية كما في الوكيل ، فان العقد هو الذي يعينه . ومن ثم تكون نيابة الوكيل نيابة اتفاقية بالنسبة إلى المصدر الذي يحدد نطاقها وبالنسبة إلى المصدر الذي يضفي صفة النيابة . وتكون نيابة كل من الولى والفضولى والدائن نيابة قانونية بالمعنيين معا . وتكون نيابة كل من الوصي والقيم والحارس والسنديك نيابة قانونية بالمعنى الأول ونيابة قضائية بالمعنى الثاني .
وقد كان المشروع التمهيدي يشتمل على نصين حذفا من المشروع النهائي لوضوح حكمهما . فكانت المادة 155 من المشروع التمهيدي تنص على ما يأتي : " يجوز التعاقد بالإصالة أو بطريق النيابة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك " . وكانت المادة 156 من هذا المشروع تنص على ما يأتي : " 1 – النيابة اتفاقية أو قانونية . 2 – يحدد التفويض الصادر من الأصيل نطاق سلطة النائب عندما تكون النيابة اتفاقية ، فإذا كانت قانونية فالقانون هو الذي يحدد تلك السلطة " . ( انظر في هذا وفي المذكرة الإيضاحية لهذين النصين المحذوفين مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 90 – ص 91 ) .
 ( [40] ) وهذا هو الفرق ما بين النائب والرسول كما سنرى ، فالنائب يعبر عن إرادته هو لا عن إرادة الأصيل ، أما الرسول فيعبر عن إرادة المرسل لا عن إرادته هو . فإذا تلقى النائب تعليمات محددة من الأصيل ، كان رسولا في حدود هذه التعليمات ونائبا في خارج هذه الحدود ( انظر في هذا المعنى بلانيول وربير وإسمان 1 فقرة 57 ) .
 ويذهب الدكتور حلمي بهجت بدوي إلى وجوب التمييز بين النيابة الاتفاقية والنيابة القانونية . ففي الأولى تشترك إرادة الأصيل والنائب في إمضاء العقد ، ونتيجة لهذا الاشتراك توزع شروط الإرادة على هاتين الإرادتين بقدر مساهمتهما في إمضاء العقد . أما في النيابة القانونية فالعقد ينعقد بإرادة النائب وحده ، ولكن اثر العقد هو حكم من أحكام القانون ينصرف إلى الأصيل ( الدكتور حلمي بهجت بدوي ص 79 – 80 – وانظر في النظريات المختلفة التي تقول باشتراك ارادتي النائب والأصيل في إبرام العقد ديموج 1 ص 147 – 150 ) .
 وانظر أيضاً في النظريات المختلفة في طبيعة النيابة ، وهل النائب يتقمص شخص الأصيل عن طريقة الافتراض القانوني ( fiction ) كما هو الرأي القديم ، أو أن النائب ليس إلا رسولا كما يقول سافيني ، أو أن إرادة النائب تحل محل إرادة الأصيل كما يقول إهرنج ، أو إن إرادته تشترك مع إرادة الأصيل كما يقول ميتييس ( Mitteis ) ، إلى رسالة حديثة في النيابة والدور الذي تقوم به في إنشاء الالتزامات للدكتور جان كلاريز ( Jean Clarise ) ليل سنة 1949 ص 147 – ص 165 . ويذهب الدكتور كلاريز صاحب هذه الرسالة إلى أن إرادة النائب وحدها ، أو مشتركة مع إرادة الأصيل ، هي التي تحدد نطاق الالتزام ( contenu de l'obligation ) ، أما الذي يخلق الرابطة القانونية ( lien de droit ) ما بين نطاق الالتزام وذمة الأصيل فهي إرادة الأصيل في النيابة الاتفاقية والقانون ذاته في النيابة القانونية ( انظر الرسالة المتقدمة الذكر ص 167 – ص 178 ) . وانظر في رأي للأستاذ بولانجية ( Boulanger ) يذهب إلى أن إرادة النائب تشترك مع إرادة الأصيل إذا كان عقد الوكالة هو مصدر النيابة ، أما إذا كان مصدرها القانون أو القضاء فإرادة النائب تحل محل إرادة الأصيل ، إلى المقدمة التي وضعها الأستاذ بولانجيه للرسالة المذكورة .
 ويشير الدكتور كلاريز في رسالته ( ص 137 – ص 140 و 223 ) إلى جواز أن تكون النيابة في عمل مادي ( fait materiel ) لا في عمل قانوني ( acte juridique ) ، ويضرب مثلا لذلك نيابة التابع عن المتبوع فيما يرتكب الأول من خطأ يسأل عنه الثاني ، فالمتبوع في هذه الحالة يكون مسئولا عن تابعه لأن هذا يعتبر نائبا عنه ل لا في الأعمال القانونية فحسب بل وفي الأعمال المادية ( انظر في هذا المعنى شيروني ( Chironi ) في المسئولية اللاعقدية جزء أول فقرة 156 وما بعدها – مازو جزء أول فقرة 934 وما بعدها ) . وتكون النيابة على هذا الأساس إما نيابه في الإرادة كنيابة الوكيل عن الموكل ، أو نيابة في المصلحة كنيابة الولي عن الصغير ، أو نيابة في العمل كنيابة التابع عن المتبوع ونيابة الفضولي عن رب العمل إذا كان العمل الذي قام به الفضولي عملا مادياً .
 ( [41] ) قارن ديموج 1 فقرة 147 – فقرة 150 ، والدكتور حلمي بهجت بدوي ص 79 – ص 80 ، والدكتور احمد حشمت أبو ستيت ص 93 – ص 94 .
 ( [42] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 157 من المشروع التمهيدي على النحو الآتي : " يكون شخص النائب لا شخص الأصيل هو محل الاعتبار عند النظر في صحة التعبير عن الإرادة ، ومدى ما يتأثر به هذا التعبير من وجود عيب في الإرادة ، أو من العلم ببعض الظروف الخاصة أو وجوب العلم بها " . ولما عرض على لجنة المراجعة ، اقترح استكمال الحكم بما يسمح في بعض الأحوال بأن يعتد بإرادة الأصيل إلى جانب إرادة النائب ، وقدمت المادة في المشروع النهائي تحت رقم 107 بالنص الآتي : " 1 - إذا تم العقد بطريق النيابة ، كان شخص النائب لا شخص الأصيل هو محل الاعتبار عند النظر في عيوب الإرادة أو في أثر العلم ببعض الظروف الخاصة ، أو افتراض العلم بها .
 2 - ومع ذلك إذا كان النائب وكيلا ويتصرف وفقا لتعليمات معينة صدرت له من موكله ، فليس للموكل أن يتمسك بجهل النائب لظروف كان يعلمها هو ، أو كان المفروض حتما أن يعلمها . " وقد وافق مجلس النواب على المادة دون تعديل تحت رقم 107 . ووافقت لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ على النص بعد تعديل جاء عنه في تقريرها ما يأتي : " عدلت العبارة الأخيرة في الفقرة الأولى فأستعيض عن التعبير ، " بوجوب العلم بها " بالتعبير " بافتراض العلم بها حتما " ، حتى تكون دلالة النص أضيق . وعدلت العبارة الأخيرة من الفقرة الثانية تعديلا يتمشى مع ما تقرر بالنسبة إلى الفقرة الأولى " . وأصبح رقم المادة 104 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها اللجنة .
وجاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " ليست الأحكام الواردة في هذه المادة سوى تطبيقات للنظرية الحديثة في النيابة القانونية . فما دامت إرادة النائب هي التي تنشط لإبرام العقد بجميع ما يلابسها من ظروف ، فيجب أن يناط الحكم على صحة التعاقد بهذه الإرادة وحدها دون إرادة الأصيل . وعلى هذا النحو يكون للعيوب التي تلحق إرادة النائب أثرها في التعاقد . فإذا انتزع رضاه بالإكراه ، أو صدر بتأثير غلط أو تدليس ، كان العقد قابلا للبطلان لمصلحة الأصيل ، رغم أن إرادته براء من شوائب العيب . أما فيما يتعلق بالظروف التي تؤثر في الآثار القانونية للتعاقد فيجب أيضاً أن يكون مرجع الحكم عليها شخص النائب لا شخص الأصيل ، وعلى ذلك يجوز أن يطعن بالدعوى البوليصية في بيع صادر من مدين معسر توطأ مع نائب المشتري ولو أن الأصيل ظل بمعزل عن هذا التواطؤ " . ( انظر في كل هذا مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 90 – ص 94 ) .
 ( [43] ) محكمة الاستئناف المختلطة في 17 مايو سنة 1905 م 17 ص 277 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 206 .
 ( [44] ) محكمة الاستئناف المختلطة في 30 يناير سنة 1913 م 25 ص 161 . والعبرة في توافر الأهلية في الأصيل بالوقت الذي يباشر فيه النائب العقد ، فلو أن الأصيل بالوقت الذي يباشر فيه النائب العقد ، فلو أن الأصيل لم يكن أهلاً لهذا العقد وقت إعطاء الوكيل ، وكان أهلاً له وقت مباشرة الوكيل للتعاقد ، صح العقد ، ولا يصح إذا كان الأصيل أهلاً وقت التوكيل وغير أهل وقت مباشرة العقد .
 ( [45] ) وقد قضت محكمة الاستئناف الوطنية بأنه يجوز للسفيه المحجور عليه أن يكون وكيلا عن الغير ، ولا تشترط فيه أهلية خاصة ، لأنه لا يعمل باسمه بل باسم موكله ( 8 يونيه سنة 1915 المجموعة الرسمية 16 ص 148 ) .
 ( [46] ) ويلاحظ أنه إذا اختار الوكيل القاصر أن يبطل عقد الوكالة ، فإن نيابته المستمدة من هذا العقد تبطل ببطلان العقد ، ويصح أن ينقلب إلى فضولي إذا توافرت شروط الفضالة . هذا وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ، في صدد توافر الأهلية في الأصيل دون النائب ، ما يأتي : " وعلى تقيض ما تقدم يعتد في الحكم على الأهلية بشخص الأصيل دون النائب . فإذا كان الأصيل أهلاً للتعاقد بالأصالة ، صح تعاقد النائب عنه ولو لم يكن هذا النائب كامل الأهلية . وقد يكون مصدر النيابة في الصورة الأخيرة وكالة ، فما دام النائب غير أهل لعقدها ، كان عقد الوكالة وحده قابلا للبطلان " . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 92 ) .
 ( [47] ) وكان المشروع التمهيدي يشتمل على نص يخول للغير أن يطلب من النائب صورة من سند نيابته ، فكانت المادة 158 فقرة ثانية من هذا المشروع تنص على ما يأتي : " ولمن يتعاقد مع النائب أن يطلب منه إثبات نيابته ، فإذا كانت النيابة ثابتة بعقد مكتوب فله أن يحصل منه على صورة مطابقة للأصل تحمل توقيعه " . وبقى هذا النص في المشروع النهائي وفي المشروع الذي وافق عليه مجلس النواب . ولما عرض على لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ قررت هذه اللجنة حذفه ، " إذ اعترض عليه بإنه لا فائدة منه إطلاقاً ، على أن سند النيابة قد يكون عرفياً ، فإذا أريد الإبقاء على هذه الفقرة فيجب أن ينص فيها على أن يكون سند النيابة رسميا ، لاسيما أن لهذه المادة مقابلا في القانون الحالي وهي المادة 518 مدني – وكانت المادتان 518 / 634 من القانون القديم تقضيان بالحق لمن يعامل الوكيل في أن يطلب منه صورة رسمية من سند التوكيل – ولما تبين من المناقشة أن هذه الفقرة لا ضرورة لها لأن الشخص الذي يتعاقد مع نائب عن الغير تقضي عليه الظروف بالاحتياط والحكمة في معاملته ، فقد يكتفي بسند عرفي ، وقد يصر على طلب سند رسمي ، وقد يصرف النظر عن هذا وذاك ، فالمرجع في هذا الخصوص إلى رغبة المتعاقد مع النائب عن الغير " . وجاء في تقرير اللجنة : " حذفت الفقرة الثانية من هذه المادة لأنها تتناول مسالة عملية تفصيلية ، في القواعد العامة ما يغني عن النص عليها " . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها اللجنة . ( انظر في كل هذه مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ، ص 95 – ص 97 ) .
وجاء في المذكرة الإيضاحية للنص المحذوف ما يأتي : " فإذا احتفظ النائب بسند نيابته بعد انقضائها ، كان لمن تعاقد معه بناء على ثقته في هذا السند حق التمسك بالنيابة . ويستوي في هذه الحالة أن يكون النائب عالماً وقت العقد بانقضاء نيابته أو أن يكون جاهلا بهذه الواقعة . وقد روعى في تقرير هذه القاعدة ما هو ملحوظ من خطأ الأصيل في عدم سحب السند من النائب بعد انقضاء النيابة مباشرة " . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 102 – ص 103 ) .
 ( [48] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 160 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : " ما دام النائب لم يعلم بانقضاء نيابته ، فإن اثر العقد الذي يبرمه ، حقا كان أو التزاما ، ينصرف إلى الأصيل وخلفائه كما لو كانت النيابة لا تزال باقية ، هذا إذا كان الغير الذي تعاقد معه النائب يجهل هو أيضاً أن النيابة قد انقضت " . ولما عرضت المادة على لجنة المراجعة أقرتها بعد أن أبدلت عبارة " ينصرف إلى الأصيل " بعبارة " يضاف إلى الأصيل " ، وأصبح رقم المادة 110 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل تحت رقم 110 . وعدلت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ صياغة الادة إلى الوجه الذي استقرت عليه في القانون حتى يكون المعنى اوضح دون مساس بجوهر الحكم ، وأصبح رقم المادة 107 ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها اللجة – هذا ، وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " قد تنقضي النيابة دون أن يعلم النائب بذلك ، كما إذا كان يجهل موت الأصيل أو الغاء التوكيل ، فإذا تعاقد في هاتين الحالتين مع شخص حسن النية لا يعلم بانقضاء النيابة ، كان تعاقده ملزما للأصيل وخلفائه . وقد قصد من تقرير هذا الحكم إلى توفير ما ينبغي للمعاملات من أسباب الثقة والاستقرار " . ( انظر في كل هذا مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 102 – ص 104 ) .
 ( [49] ) ويلاحظ أنه في الفرضين الأولين – النيابة المستمرة وبقاء سند النيابة في يد النائب – ينتج عمل النائب أثره بالنسبة إلى الأصيل لأن هذا قد ارتكب خطأ ، فيكون نفاذ عمل النائب في حقه بمثابة التعويض . أما في الفرضين الأخيرين – جهل النائب والغير لانقضاء النيابة والظروف التي يغلب معها الظن أن الموكل يوافق على تصرف الوكيل – فنفاذ عمل النائب في حق الأصيل إنما هو تطبيق لقواعد الفضالة .
 ( [50] ) فلو كان النائب وكيلا وجاوز حدود الوكالة ، جاز القول إنه نصب نفسه وكيلا بإرادته . المنفردة فيما جاوز فيه حدود الوكالة ، على أن يقره الموكل بعد ذلك . ويكون مصدر النيابة في هذه الحالة هو القانون ، فقد جعل الوكيل – بناء على إرادته – نائبا فيما يجاوز حدود الوكالة . والنيابة هنا ليست منجزة ، بل هي معلقة على شرط موقف هو أن يصدر إقرار من الموكل .
 ( [51] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 159 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : " إذا لم يعلن العاقد وقت إبرام العقد أنه يتعاقد بصفته نائبا ، فان أثر العقد لا يضاف إلى الأصيل دائنا أو مدينا ، إلا إذا كان من المفروض حتما أن من تعاقد معه النائب يعلم بوجود النيابة ، أو كان يستوي عنده أن يتعامل مع الأصيل أو النائب " . فأقرته لجنة المراجعة بعد تعديلات لفظية تحت رقم 109 من المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل تحت رقم 109 . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ ، استعيض عن عبارة " إلا إذا كان يستفاد من الظروف " بعبارة " إلا إذا كان من المفروض حتما " ، وأصبح رقم المادة 106 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها اللجنة . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 98 – ص 101 ) .
وانظر أيضاً المادة 32 فقرة 2 و 3 من قانون الالتزامات السويسري . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " وقد استحدث المشروع باقتباس هذا النص من تقنين الالتزامات السويسري حكماً هاماً يطابق أحكام الشريعة الإسلامية . أما القواعد الخاصة بالاسم المستعار أو التسخير ، وهي التي تقضي بانصراف آثار العقد إلى النائب أو المسخر ، فلا تنطبق إلا إذا كان من يتعامل مع هذا النائب يجهل وجود النيابة ، أو كان لا يستوي عنده التعامل معه أو مع من فوضه " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 96 ) .
هذا ويلاحظ أن الفضولي ، وهو نائب نيابة قانونية عن رب العمل كما قدمنا ، إذا عمل باسمه لا باسم رب العمل ، فإن الأثر ينصرف إليه هو لا إلى رب العمل ، تطبيقاً للمبدأ المتقدم الذكر .
 ( [52] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 158 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : " 1 – إذا ابرم النائب عقداً في حدود نيابته وباسم الأصيل ، فإن ما ينشأ عن هذا العقد من حقوق والتزامات ينصرف إلى الأصيل مباشرة . 2 – ولمن يتعاقد مع النائب أن يطلب منه إثبات نيابته ، فإذا كانت النيابة ثابتة بعقد مكتوب ، فله أن يحصل منه على صورة مطابقة للاصل تحمل توقيعه " . فأقرت لجنة المراجعة المادة بعد تعديلات لفظية ، وأصبح رقمها 108 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل تحت رقم 108 . ولما عرضت على لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ، وافقت اللجنة على الفقرة الأولى ، أما الفقرة الثانية فقد قررت حذفها للأسباب التي تقدم ذكرها ، وأصبح رقم المادة 105 . ووافق مجلس الشيوخ عليها كما عدلتها اللجنة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 95 – ص 97 ) .
وانظر أيضاً المادة 30 من المشروع الفرنسي الايطالي . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروعي التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " إذا كان شخص النائب هو الواجب الاعتداد به فيما يتعلق باتمام العقد ، فعلى النقيض من ذلك ينبغي أن يرجع إلى شخص الأصيل وحده عند تعيين مصير آثاره ، فالأصيل دون النائب هو الذي يعتبر طرفاً في التعاقد ، واليه تنصرف جميع اثاره ، فيكسب مباشرة كل ما ينشأ عنه من حقوق ، ويقع على عاتقه كل ما يترتب من التزامات . ولعل هذا الأثر المباشر أهم ما أحرز القانون الحديث من تقدم في شأن النيابة " . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 95 – ص 96 ) .
 ( [53] ) ومن هنا حرمت بعض الشرائع تعاقد الشخص مع نفسه لأن نظرية النيابة تقضي بأن النائب إنما يعبر عن إرادته هو لا عن إرادة الأصيل ، فاجتماع طرفي العقد في شخص واحد ، سواء كان نائباً عن كل منهما أو ناباً عن احدهما وأصيلاً عن نفسه ، يجعلنا من الوجهة الواقعية ومن الوجهة القانونية معاً أمام إرادة واحدة لا إرادتين . ومعروف أن العقد لا يتم إلا بتوافق إرادتين .
أما أنصار الإباحة فينقسمون إلى فريقين : فريق يرى أن تعاقد الشخص مع نفسه هو عقد حقيقي توافق فيه القبول مع الإيجاب ، ولكن شخصاً واحدا هو الذي عبر عن كل من الإيجاب والقبول طبقاً لمنطق نظرية النيابة ( بلانيول وريبير وإسمان 1 فقرة 68 ص 88 ) . وفريق آخر يرى أن تعاقد الشخص مع نفسه لا ينطوي إلا على إرادة منفردة جعلها القانون تنتج اثرا ( ديموج 1 فقرة 42 – فقرة 43 ) ، ونحن نميل إلى ترجيح هذا الرأي الثاني . ( انظر رأياً آخر للدكتور حلمي بهجت بدوي يتمشى فيه مع رأيه الذي سبقت الإشارة إليه من اشتراك إرادة الأصيل وإرادة النائب في إمضاء العقد إذا كانت النيابة اتفاقية ، ومن جعل اثر العقد حكما من أحكام القانون إذا كانت النيابة قانونية في مؤلفة " أصول الالتزامات " ص 124 – ص 125 ) .
 ( [54] ) نظرية العقد للمؤلف ص 231 – ص 236 .
 ( [55] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 161 من المشروع التمهيدي مع اختلال لفظي بسيط . وأقرته لجنة المراجعة بعد تعديلات لفظية جعلته مماثلا لنص المادة 108 ، وقدمته تحت رقم 111 وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ تساءل أحد الاعضاء عن الجزاء عن مخالفة نص هذه المادة ، فأجيب بأنه لا يترتب على المخالفة البطلان وإنما لا يحتج بالعقد على الأصيل . وتساءل عضو آخر هل الترخيص السابق يغني عن الإجازة اللاحقة ، فكان الجواب بالإيجاب . واعترض على تحريم تعاقد الشخص مع نفسه بأن هذا يخالف القاعدة التقليدية ، فأجيب على هذا الاعتراض بأن القانون يشترط لتمام العقد تقابل إرادتين ، ولا ينطوي تعاقد الشخص مع نفسه إلا على إرادة واحدة ، فإما أن يكون الشخص وكيلا عن اثنين فيكون هناك تضارب في المصالح ، وإما أن يكون الشخص أصيلاً عن نفسه ووكيلا عن خيره فيكون التضارب اكبر ، لذلك نص على عدم إمكان تعاقد الشخص مع نفسه باسم من ينوب عنه . وقد وافقت اللجنة على بقاء المادة كما هي تحت رقم 108 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها اللجنة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 105 – ص 108 ) .
وانظر في هذه المسألة المادة 37 من المشروع الفرنسي الإيطالي .
 ( [56] ) وهذا التطبيق الخاص وردت فيه نصوص صريحة في القانون الجديد . فقد نصت المادة 479 على أنه " لا يجوز لمن ينوب عن غيره بمقتضى اتفاق أو نص أو أمر من السلطة المختصة أن يشتري بنفسه مباشرة أو باسم مستعار ولو بطريق المزاد العلني ما نيط به بيعه بموجب هذه النيابة ، ما لم يكن ذلك بإذن القضاء ومع عدم الاخلال بما يكون منصوصا عليه في قوانين أخرى " . ونصت المادة 480 على أنه " لا يجوز للسماسرة ولا للخبراء أن يشتروا الأموال المعهود إليهم في بيعها أو في تقدير قيمتها سواء أكان الشراء بأسمائهم أم باسم مستعار " . ( ويلاحظ هنا أن السمسار والخبير انزلا منزلة النائب لاتحاد العلة ) . وجاء في المادة 481 : " يصح العقد في الأحوال المنصوص عليها في المادتين السابقتين إذا أجازه من تم البيع لحسابه " .
 ( [57] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " يتصور أن يتعاقد الشخص مع نفسه في حالتين : فقد يكون الشخص طرفا في التعاقد لحساب نفسه من ناحية ، ومتعاقداً بالنيابة عن الطرف الآخر من ناحية أخرى ، وبذلك يتحقق التعارض بين مصالحه الشخصية ومصالح الأصيل . وقد يتعاقد الشخص بصفته نائباً عن الطرفين في أن واحد ، وفي هذه الحالة يكون عمله أقرب إلى معنى التحكيم منه إلى معنى النيابة " . . وغنى عن البيان أن مصلحة الأصيل لا تتيسر لها ضمانات الحماية الواجبة في كلتا الحالتين ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 105 – ص 106 ) .
 ( [58] ) وقد جاء في هذه المذكرة ما يأتي : " ولهذه العلة اعتبر تعاقد الشخص مع نفسه قابلا للبطلان لمصلحة الأصيل . . . ومن الواضح أن البطلان المقرر في هذا الشأن قد أنشيء بمقتضى نص خاص " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 106 ) .
 ( [59] ) وقد قضى قانون المحاكم الحسبية بأن تعين المحكمة وصياً خاصاً عند تعارض مصلحة القاصر مع مصلحة وليه أو عند تعارض مصالح القصر بعضها مع بعض ( م 12 ) . كما قضى بأنه " اذا تعارضت مصلحة الاقصر مع مصلحة الوصي أو زوجه أو أحد اصوله أو فروعه أو من يمثله الوصيث ، ولم يبلغ هذا التعارض مبلغا يخشى معه على اموال القاصر طبقا للفقرة الرابعة من المادة 16 ، ففي هذه الحالة تقيم المحكمة وصيا خاصا " . ويجوز كذلك تعيين وصي خصومة ولو لم يكن للقاصر مال ( م 17 ) . 
 ( [60] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي . " ويجوز أن تقضي بعض نصوص التشريع أو بعض قواعد التجارة بصحة تعاقد الشخص مع نفسه . فمن ذلك بإباحة تعامل الولي ولده وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ، وإباحة تعامل الوكيل بالعمولة باسم طرفي التعاقد وفقا لقواعد القانون التجاري " . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 106 ) .
 ( [61] ) هناك عقود تتم عادة دون مفاوضات تسبقها ، منها : العقود المألوفة في الحياة اليومية كمن يأكل في مطعم أو ينزل في فندق أو يشتري صحيفة ، والعقود التي تبرم دون سابق مفاوضة في الحياة التجارية وهي تقتضي السرعة في البت والتعامل ، وعقود الإذعان وهي تتميز بايجاب بات في بادئ الأمر يعقبه اذعان من المتعاقد الآخر أو قبول لا بد منه على ما سنرى .
 ( [62] ) وقد سبت الإشارة إلى هذا النص عند الكلام في التعبير الصريح والتعبير الضمني ( انظر فقرة 76 ) ، وبينا هناك أن هذا النص في حذف في لجنة المراجتة لعدم الحاجة إليه ، إذ يسهل على القضاء تطبيق هذا الحكم دون نص عليه .
 [63] ) 2 مارس سنة 1904 م 16 ص 147 – انظر أيضاً حكماً آخر في 24 ابريل سنة 1902 م 14 ص 264 .
 ( [64] ) استئناف مختلط في 30 يناير سنة 1896 م 8 ص 101 – وفي ) يونيه سنة 1898 م 10 ص 322 – وفي 8 مارس سنة 1900 م 12 ص 156 – وفي 2 مارس سنة 1904 م 16 ص 147 – وفي 21 ابريل سنة 1904 م 16 ص 213 – وفي 15 نوفمبر سنة 1923 م 36 ص 32 – وفي 13 مارس سنة 1945 م 57 ص 88 .
 ( [65] ) استئناف مختلط في 21 مايو سنة 1879 بوريللي بك م 301 فقرة 5 – وفي 18 يناير سنة 1912 م 24 ص 100 – وفي 23 نوفمبر سنة 1917 م 30 ص 62 .
 ( [66] ) محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة في 6 يناير سنة 1923 جازيت 14 ص 13 رقم 17 .
 ( [67] ) أنظر كتاب " نظرية العقد " للمؤلف ص 244 – ص 246 .
 ( [68] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 130 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : " 1 - إذا حدد ميعاد للقبول التزم الموجب بإيجابه إلى أن ينقضي هذا الميعاد . 2 – وقد يستخلص الميعاد ضمناً من الظروف أو من طبيعة التعامل " . وفي لجنة المراجعة اقترح أن يكون التزام الموجب لا بإيجابه بل بالبقاء على إيجابه ، فإن هذا أدق في الدلالة على المعنى المقصود ، فوافقت اللجنة على ذلك كما ادخلت بعض تعديلات لفظية ، وأصبح رقم المادة 95 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل تحت رقم 95 . ووافقت عليها كذلك لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ومجلس الشيوخ تحت رقم 93 . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 36 – ص 38 ) .
وكان المشروع التمهيدي يشتمل على نص يسبق هذا النص جاء فيه ما يأتي : " كل من صدر منه إيجاب يلتزم بإيجابه ما لم يصرح بأنه غير ملزم أو ما لم يتبين من الظروف أو من طبيعة التعامل أنه لم يقصد أن يلتزم بإيجابه " ( م 129 من المشروع التمهيدي ) . وحذف هذا النص في المشروع النهائي اكتفاء بالنص الذي استبقى في حالة الإيجاب المقترن بأجل ، إذ أن هذه الحالة هي وحدها التي تظهر فيها الفائدة العملية من القول بالضفة الملزمة للإيجاب . أما إذا لم يقترن الإيجاب بأجل ، فيمكن القول بأنه لو كان النص المحذوف قد استبقى لأفاد أن الموجب يبقى في هذه الحالة ملزماً بالبقاء على إيجابه المدة المعقولة ، وحذف النص جعله غير ملزم . ولكن الفائدة العملية من هذا القول تكاد تكون معدومة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 30 ) .
 ( [69] ) هذه العبارات مأخوذة من المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 37 ) .
 ( [70] ) وقد كانت المادة 132 من المشروع التمهيدي تجري على هذا الوجه ، وحذفت في المشروع النهائي اكتفاء بتطبيق القواعد العامة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 40 ) . ويلاحظ إننا انتقلنا في هذا الفرض من تعاقد يصدر الإيجاب فيه لحاضر في مجلس العقد إلى تعاقد يصدر الإيجاب فيه لغائب .
 ( [71] ) أنظر في مثل ثالث لتحديد ميعاد للقبول تحديداً ضمنياً محكمة الاستئناف المختلطة في 18 يناير سنة 1912 م 24 ص 100 . 
 هذا وتقديم عطاء في مناقصة متى وصل إلى علم من وجه إليه العطاء – والعلم هنا يقع على تقديم العطاء في ذاته ولا يشمل مضمون العطاء لأن هذا يكون سريا كما تقضي بذلك طبيعة المعاملة – يكون ملزماً لا يجوز الرجوع فيه حتى قبل فض المظاريف ، لأن الإيجاب قد أقترن بأجل ضمني هو الميعاد الذي حدد لإرساء العطاء .
 ( [72] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 36 – وانظر أيضاً في هذا المعنى محكمة الاستئناف المختلطة في 17 نوفمبر سنة 1917 م 3 ص 62 .
 ( [73] ) كان المشروع التمهيدي يشتمل على نص يعدد الحالات التي يسقط فيها الإيجاب ، فكانت المادة 133 من هذا المشروع تنص على ما يأتي : " يسقط الإيجاب : 1 ) إذا انقضت صفته الملزمة قبل أي قبول . 2 ) إذا رفضه من وجه إليه . 3 ) إذا كان من وجه إليه الإيجاب قد عارضه بإيجاب آخر " . ولما عرضت هذه المادة على لجنة المراجعة قررت حذفها لأنها تشتمل على تعداد يحسن تركه للفقه ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 40 – ص 41 في الهامش ) .
 ( [74] ) أنظر في حالة وصول القبول متأخراً ، سواء لأنه صدر بحيث يصل في الميعاد ولكنه وصل متأخراً بالفعل أو صدر بحيث لا يمكن أن يصل في الميعاد ، نظرية العقد للمؤلف ص 253 حاشية رقم 1 و 2 .
 هذا وقد كانت الفقرة الأولى من المادة 141 من المشروع التمهيدي تجري على الوجه الآتي : " يعتبر القبول بعد الميعاد بمثابة إيجاب جديد ، ومع ذلك إذا كان القبول قد أرسل في الوقت المناسب ، ولكنه وصل إلى الموجب بعد الميعاد ، وكان الموجب ينوي إلا يرتبط بهذا القبول ، وجب عليه ، إن علم أن القبول رغم تأخره في الوصول قد أرسل في الوقت المناسب ، أن يخطر الطرف الآخر فوراً بتأخر القبول ، فإذا نهاون في الأخطار اعتبر القبور غير متأخر " وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا النص ما يأتي : " ويجب التفريق بين القبول الذي يرسل بعد انقضاء الميعاد المحدد له وبين القبول الذي يرسل في الوقت المناسب ولكن يتأخر وصوله إلى الموجب . فالقبول الثاني دون الأول هو الذي يرتب على عاتق الموجب ، إذا انصرفت نيته إلى عدم الارتباط به ، الالتزام بأن يخطر الآخر فوراً بذلك . فإذا تهاون في الأخطار وأصبح التأخير بذلك منسوباً إلى خطئه ، فيعتبر أن القبول قد وصل في الوقت المناسب " . ولما عرض النص على لجنة المراجعة قررت حذفه اكتفاء بتطبيق القواعد العامة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 49 – ص 51 ) .
 ( [75] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 131 من المشروع التمهيدي على الوجه الوارد في القانون الجديد ( فيما عدا فروقا لفظية طفيفة ) . ولما تلى النص في لجنة المراجعة لوحظ أن المشروع اخذ بنظرية مجلس العقد في الفقه الإسلامي على أن يكون مفهوماً أنه لم يرد الإمعان في وجهة النظر المادية التي نراها عادة في كتب الفقه . فوافقت اللجنة على النص بعد تعديلات لفظية طفيفة ، وأصبح رقم المادة 96 في المشروع النهائي ، ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل تحت رقم 96 . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ تساءل أحد الاعضاء عما إذا كان من الممكن الاستغناء عن الفقرة الثانية من المادة فأجيب بالنفي لأن تلك الفقرة تعالج حكم القبول إذا صدر قبل ارفضاضا مجلس العقد . وقد وافقت اللجنة ووافق مجلس الشيوخ على المادة تحت رقم 94 . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 39 – ص 44 ) .
 ( [76] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 42 .
 ( [77] ) أنظر المادة 4 من تقنين الالتزامات السويسري والمادة 147 فقرة 1 من التقنين الألماني .
 ( [78] ) نحن هنا نأخذ بالمذهب الحنفي وهو المذهب الذي قصد القانون الجديد أن يستمد منه في هذه المسألة . وقد اختلفت الحنفية مع الشافعية في ذلك . فالحنفية يرون كما قدمنا جواز القبول ولو تراخى عن الإيجاب ما دام قد صدر في مجلس العقد . أما الشافعية فيشترطون الفور في القبول ، فإذا لم يصدر القبول فوراً سقط الإيجاب ولو لم يرجع فيه الموجب . ولكنهم في الوقت ذاته يقولون بخيار المجلس ، فيجوز للموجب له أن يرجع في قبوله قبل انفضاض مجلس العقد . ومن ثم أصبح مذهب الشافعي ، بفضل هذه الصياغة الفنية ، معقولا ، وأصبح الفرق بينه وبين المذهب الحنفي محدود المدى من الناحية العملية . فالحنفية يقولون إن الموجب له يستطيع أن يؤخر قبوله إلى ما قبل انفضاض المجلس ، والشافعية يقولون بل يجب أن يقبل فورا ، ولكنه يستطيع الرجوع في قبوله إلى ما قبل انفضاض المجلس . أما المذهب الملاكي فيشترط الفورية كالذمهب الشافعي ، ويمنع خيار المجلس كالمذهب الحنفي ، وهذا هو مذهب القوانين الحديثة . ولم يختره القانون الجديد لما ينطوي عليه من ضيق وحرج .
وتنقل هنا بعض ما جاء في البدائع في هذه المسألة : " وأما الذى يرجع إلى مكان العقد فواحد وهو اتحاد المجلس ، بأن كان الإيجاب والقبول في مجلس واحد . فان اختلف المجلس لا ينعقد ، حتى لو أوجب أحدهما البيع فقام الاخر عن المجلس قبل القبول أو اشتغل بعمل آخر يوجب اختلاف المجلس ثم قبل لا ينعقد ، لان القياس أن لا يتأخر أحد الشطرين عن الآخر في المجلس ، لانه كما وجد احدهما انعدم في الثاني من زمان وجوده ، فوجد الثاني والاول منعدم فلا ينتظم الركن ، الا ان اعتبار ذلك يؤدى إلى انسداد باب البيع ، فتوقف أحد الشطرين على الآخر حكما . وجعل المجلس جامعا للشطرين مع تفرقهما للضرورة ، وحق الضرورة يصير مقضيا عند اتحاد المجلس ، فإذا اختلف لا يتوقف . وهذا عندنا ، وعند الشافعي رحمه الله الفور مع ذلك شرط لا ينعقد الركن بدونه . وجه قوله ما ذكرنا ان القياس أن لا يتأخر أحد الشطرين عن الآخر والتأخر لمكان الضرورة وانها تندفع بالفور . ولنا ان في ترك اعتبار الفور ضرورة لان القابل يحتاج إلى التأمل ، ولو اقتصر على الفور لا يمكنه التأمل " ( البدائع 5 ص 137 ) .
هذا التحليل الرائع هو الذي تقف عنده . ولا نجاري المذهب الحنفي بعد ذلك في تصويره لمجلس العقد تصويراً مادياً ضيقاً يخرج به عن مقتضيات الحياة . وهذا بعض ما جاء في البدائع في صدد هذا التصوير الضيق : " وعلى هذا إذا تبايعا وهما يمشيان أو يسيران على دابتين أو دابة واحدة في محمل واحد ، فان خرج الإيجاب والقبول منهما متصلين انعقد ، وان كان بينهما فصل وسكوت وان قل لا ينعقد ، لان المجلس تبدل بالمشى والسير وان قل . . . ولو تبايعا وهما واقفان انعقد لاتحاد المجلس . ولو أوجب أحدهما وهما واقفان فسار الآخر قبل القبول أو سارا جميعا ثم قبل لا ينعقد ، لانه لما سارا وسارا فقد تبدل المجلس قبل القبول ، فلم يجتمع الشطران في مجلس واحد . . . . . ولو تبايعا وهما في سفينة ينعقد ، سواء كانت واقفة أو جارية ، خرج الشطران متصلين أو منفصلين ، بخلاف المشى على الأرض والسير على الدابة ، لان جريان السفينة بجريان الماء لا بإجرائه ، ألا ترى أن راكب السفينة لا يملك وقفها فلم يكن جريانها مضافا إليه فلم يختلف المجلس ، فأشبه البيت . بخلاف المشى والسير . أما المشى فظاهر لانه فعله ، وكذا سير الدابة مضاف إليه ، ألا ترى انه لو سيرها سارت ولو وقفها وقفت ، فاختلف المجلس بسيرها " ( البدائع 5 ص 137 ) .
 ونرى من ذلك أن فقهاء الحنفية يشترطون اتحاد المجلس الحقيقي ، ثم يقلبون المسألة على وجوهها المنطقية ، فيخلص لهم أنه إذا اختلف المجلس بالتنقل الاختياري ( المشي أو السير على الدابة ) لا ينعقد البيع ، أما إذا اختلف بالتنقل غير الاختياري ( جريان السفينة ) ينعقد . وفي هذا ذهاب بالمنطق إلى ابعد مدى ، وفيه من الحرج في التعامل مالا يخفى ، إذ يمتنع على " شخصين يمشيان أنو يسافران على دابة أو على غيرها من وسال النقل أن يتعاقدا لاختلاف المجلس ، مع أنه لا يوجد ما يدعو إلى الوقوف عند الاتحاد الحقيقي للمجلس ، فيكفي الاتحاد الحكمي ، وقد اقر فقهاء الحنفية هذا الاتحاد الحكمي في التنقل غير الاختياري للضرورة ، والضرورة ذاتها هي التي تقضي علينا أن نكتفي بالاتحاد الحكمي في التنقل الاختياري أيضاً . وقد أراد شارح المجلة الأستاذ سليم باز رفع الحرج في حالة يكثر وقوعها وهي السفر بالسكة الحديدية ، فذكر في هذه المسألة ما يأتي : " أما لو تبايعا وهما في السفينة فإنه يصح لكون السفينة كالبيت فلا ينقطع المجلس بجريانها لأنهما لا يملكان إيقافها ( طحطاوي عن النهر ) ، قلت ومثل السفينة سكة الحديد " ( شرح المجلة لسليم باز ص 86 ) .
 ( [79] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 45 – ص 46 .
 ( [80] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 45 في الهامش . وقد جاء أيضاً في المذكرة الإيضاحية في صدد النشرات والإعلانات التي يوجهها التجار إلى الجمهور ما يأتي : " وقد تقدم في الفقرة الثانية من المادة 134 من المشروع أن النشرات والإعلانات وقوائم الأسعار التي يجري التعامل بها وغير ذلك من البيانات الموجهة للجمهور أو الافراد تعتبر في الأصل دعوة لحث الناس على الإيجاب . فليس ينصرف حكم النص في الصورة التي يواجههاالى الإيجاب النهائي الملزم الذي ينقلب إلى ارتباط تعاقدي متى اقترن به القبول ، وإنما ينصرف هذا الحكم إلى مجرد الدعوة للتقدم بالإيجاب . والاستجابة لهذه الدعوة هي التي تعتبر إيجاباً نهائيا ملزما ، يمتاز عما عداه من ضروب الإيجاب بأن من وجه إليه لا يجوز له أن يرفضه لغير سبب مشروع " ، ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 45 في الهامش ) .
 ( [81] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 46 . أنظر أيضاً محكمة استئناف أسيوط في 3 يونيه سنة 1948 المحاماة 28 رقم 273 ص 805 .
 ( [82] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 138 من المشروع التمهيدي على الوجه الوارد في القانون الجديد مع بعض فروق لفظية . ولما تلى في لجنة المراجعة لاحظ بعض الأعضاء أن التمييز بين المسائل الجوهرية والمسائل التفصيلية أمر دقيقي في بعض الأحوال ، فلا يحسن تركه لتقدير القاضي خشية التحكم ، ودارت مناقشة طويلة حول هذه المسألة ، واستقر الرأي على إبقاء المادة بعد تعديلات لفظية تحت رقم 97 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب عليها دون تعديل ، ثم وافق عليها كل من لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ومجلس الشيوخ تحت رقم 95 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 45 – ص 49 ) .
 وانظر أيضاً المادة 2 من تقنين الالتزامات السويسري والمادة 61 فقرة 2 من تقنين الالتزامات البولوني .
 ( [83] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " وفي هذه الحالة يتولى القاضي أمر الفصل في المسائل التفصيلية التي أرجئ الاتفاق عليها ما لم يتراض العاقدان بشأنها . وعلى هذا النحو يتسع نطاق مهمة القاضي ، فلا يقتصر على تفسير إرادة العاقدين بشأنها . وعلى هذا النحو يتسع نطاق مهمة القاضي ، فلا يقتصر على تفسير إرادة العاقدين ، بل يستكمل ما نقص منها " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 46 ) .
 ( [84] ) يؤيد ذلك ما جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : " ومهما يكن من أمر فينبغي التنويه بأن هذه الأحكام لا تعدو أن تكون مجرد تفسر لإرادة المتعاقدين . فإذا تعارض هذا التفسير مع ما أراده المتعاقدان ، بأن اشترطا صراحة أو ضمنا أن يكون العقد باطلا عند عدم الاتفاق على المسائل التي احتفظ بها ، وجب الاحترام هذه الإرادة ، ولا يتم العقد ما لم يحصل الاتفاق على تلك المسائل " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 47 ) .
 ( [85] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 141 من المشروع التمهيدي ، وكانت هذه المادة تشتمل على فقرتين ، حذفت الفقرة الأولى منهما في المشروع النهائي اكتفاء بتطبيق القواعد العامة كما سبقت الإشارة إلى ذلك ، أما الفقرة الثانية فجاءت مطابقة للنص الذي ورد في القانون الجديد . وقد وافقت عليها لجنة المراجعة ومجلس النواب ولجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ومجلس الشيوخ دون تعديل ، وأصبحت المادة 96 في القانون الجديد ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 49 – ص 51 ) .
 ( * ) بعض المراجع : بلانيول وريبير وإسمان 1 فقرة 108 – ديموج في الالتزامات 1 فقرة 185 وما بعدها و 2 فقرة 556 – فاليري ف يالعقد بالمراسلة فقرة 21 وما بعدها وتعليقاته في داللوز 1905 – 1 – 345 و 1908 – 2 – 10 و 1913 – 1 – 281 – جيز في نظرية العمل السلبي ( مجلة القانون العام 10905 ص 746 ) – بارولت في السكوت باعتباره منشئاً للالتزامات ديجون 1912 – كوهن في العقد بالمراسلة باريس 1921 ص 103 وما بعدها – ليفي ديجون 1912 – كوهن في العغقد بالمراسلة باريس 1921 ص 103 وم ابعدها – ليفي ديجون 1927 – كوهين ( Cohin ) في العمل السلبي الخاطئ باريس 1929 – أوبري ورو 4 فقرة 343 – بودري وبارد 1 فقرة 44 – فقرة 48 – بنكاز تكملة بودري 2 فقرة 395 – والتون 1 ص 197 – ص 199 – نظرية العقد للمؤلف فقرة 160 – فقرة 166 – الدكتور حلمي بهجت بدوي فقرة 54 – الدكتور حشمت أبو ستيت فقرة 88 .
 ( [86] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " ينبغي التفريق بين التعبير الضمني عن الااردة وبين مجرد السكوت . فالتعبير الضمني وضع ايجابي ، أما السكوت فهو مجرد وضع سلبي . وقد يكون التعبير الضمني بحسب الأحوال ايجاباً أو قبولا ، أما السكوت فمن الممتنع على وجه الاطلاق أن يتضمن ايجاباً ، وإنما يجوز في بعض الفروض الاستثنائية أن يعتبر قبولاً " مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 57 ) .
 ( [87] ) قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن سكوت الحكومة عن الرد على صاحب مصنع يطلب ترخيصاً لإقامة آلة ميكانيكية في مصنعه لا يعد قبولا أو ترخيصا من جانبها حتى لو تأخرت الحكومة عن الرد في الميعاد القانوني وحتى لو حصل صاحب المصنع على تصريحات شفيوة من بعض الموظفين بأن الحكومة ستعطيه الترخيص المطلوب ( 26 ديسمبر سنة 1929 م 42 ص 123 ) . وكذلك قضت محكمة إسكندرية الابتدائية المختلطة في دائرتها التجارية بأن سكوت المشتري أكثر من ثمانية أيام دون أن يرد على بعرض يعرضه البائع ويشترط فيه شرطاً في صفقة ظلت المفاوضات دائرة فيها بين البائع والمشتري مدة أسابيع عديدة لا يعتبر رضاء من المشتري ، بل يجب أن يكون رضاؤه واضحاً جلياً بعد هذه المفاوضات الطويلة ( 6 ديسمبر سنة 1926 جازيت 17 ص 187 رقم 276 ) . وقضت المحاكم الفرنسية بأن مجرد سكوت شخص عن الرد على خطاب يعتبره فيه مرسله مساهما في شركة معينة ويخبره فيه أنه سجل في حسابه قيمة الأسهم التي احتسبها عليه ، لا يعتبر قبولا بالاكتتاب في الأسهم المذكورة ( نقض فرنسي في 25 مايو سنة 1870 داللوز 70 – 1 – 257 وفي 18 أغسطس سنة 1909 داللوز 1910 – 1 – 207 ) ، وبان الناشر الذي يرسل لشخص دون سابق اتفاق مجلة دورية لا يحق له أن يعتبر هذا الشخص قد اشترك في هذه المجلة ما دام لم يصدر منه قبول بذلك ، ولا يعتبر قبولا مجرد امتناع هذا الشخص عن رد المجلة حتى لو ذكر في المجلة أن عدم الرد يعد قبولا بالاشتراك ( محكمة السين الابتدائية في 19 ابريل سنة 1893 جازيت دي باليه 93 – 2 – 162 – محكمة دوية الإستئنافية في 10 مارس سنة 1874 داللوز 74 – 2 – 153 ) ويلاحظ أن من يتلقى المجلة ويسكت ، إذا كان سكوته لا يعد قبولا ، فإن قبوله قد يستخلص ضمناً من أعمال مادية ايجابية يقوم بها ، كأن يواظب على تسلم المجلة وقراءتها بانتظام ( أنظر دي هلتس 1 لفظ ( convention ) فقرة 6 ) .
 ( [88] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 142 من المشروع التمهيدي على الوجه الوارد في القانون الجديد فيما عدا فروقا لفظية طفيفة وفيما عدا عبارة وردت في المشروع التمهيدي في آخر الفقرة الثانية نصها كالآتي : " ويكون كذلك سكوت المشتري بعد أن يتسلم البضائع التي اشتراها قبولا لما ورد في ( القانون ) من شروط " . ووافقت لجنة المراجعة على النص ، بعد إدخال تعديلات لفظية طفيفة ، وأصبح رقم المادة 100 في المشروع النهائي ، ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل تحت رقم 100 . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ اعترض على الجزء الأخير من الفقرة الثانية " ويكون كذلك سكوت المشتري ألخ ألخ " . وبعد المناقشة قررت اللجنة بقاء المادة مع حذف هذا الجزء الأخير لأنه يواجه تطبيقاً يحسن أن يترك فيه التقدير للقضاء في كل حالة بخصوصها ، وأصبح رقم المادة 98 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها اللجنة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 64 ) .
وانظر فيما يقابل هذا النص المادة 6 من قانون الالتزامات السويسري والمادة 180 من قانون الالتزامات اللبناني .
 ( [89] ) ويجوز أن يكون السكوت بمنزلة القبول لا بالنسبة إلى إتمام العقد فحسب ، بل وكذلك بالنسبة إلى إلغائه أو الإقالة منه ( استئناف مختلط 11 ابريل سنة 1917 م 29 ص 358 ) .
 ( [90] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " ويجوز أن يجعل عرف التجارة للسكوت شان التبول . وتفريعا على ذلك قضى بأنه لا تجوز المنازعة في بيع يعتبر ف يعرف السوق تامان وفقاً للشروط المدونة في بطاقة أو مذكرة لم يردها العاقد من فوره ، متى كان هذا العرف يفرض على من يطلب نقض البيع بعد فوات الوقت أن يقيم الدليل على عدم انعقاد العقد ، وهو دليل لا يسوغ للعاقد أن يستخلصه من إهماله أو خطئه الشخصي ( استئناف مختلط في 12 فبراير سنة 1930 م 42 ص 272 ) " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 59 ) .
 ( [91] ) محكمة الاستئناف المختلطة في 22 مارس سنة 1905 م 17 ص 169 – 9 ديسمبر سنة 1909 م 22 ص 73 – 3 فبراير سنة 1915 م 27 ص 146 – 2 مايو سنة 1916 م 28 ص 287 – 14 ديسمبر سنة 1916 م 29 ص 111 – ويلاحظ أن الأحكام السابقة إذا اعتبرت السكوت موافقة على الحساب المقدم ، فإنها تستثنى حالة الغلط في الحساب والحذف والإضافة والتزوير ، وما إلى ذلك ، فمثل هذا يصحح .
 ( [92] ) محكمة الاستئناف المختلطة في 12 فبراير سنة 1930 م 42 ص 272 ( وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم ) – نقض فرنسي في 11 يوليه سنة 1923 سيريه 1924 – 1 – 117 – وفي 15 يوليه سنة 1926 سيريه 1926 – 1 – 262 .
 ( [93] ) محكمة الاستئناف المختلطة في 27 ابريل سنة 1899 م 11 ص 200 – 2 مايو سنة 1912 م 24 ص 315 – 18 نوفمبر سنة 1925 م 38 ص 56 .
 ( [94] ) مثل استكمال تنفيذ العقد مشتر لآلات ميكانيكية استنفد الأجل المضروب لفحص هذه الآلات وطلب أجلاً جديدا لفحص تكميلي كان متوقعا في عقد البيع ، فله أن يعتبر سكوت البائع رضاء بمنحه هذا الأجل الجديد ( تقض فرنسي في 7 مارس سنة 1905 سيري 1905 – 1 – 427 ) . ومثل تعديل العقد ما قضت به محكمة الاستئناف المختلطة من أنه إذا عدل البائع من شروط البيع فلم يضرب للتسليم أجلاً محددا بل جعله في أقرب ميعاد مستطاع ، وسكت المشتري على ذلك ، فسكوته يعتبر رضاء بهذا التعديل ( استئناف مختلط 18 نوفمبر سنة 1915 م 38 ص 56 ) . ومثل فسخ العقد أن شخصاً أوصى بكميات كبيرة من الفحم من انجلترا ، ثم نشبت الحرب ، فأخبره المصنع أنه يستحيل عليه إرسال ما يطلب بعد أن منعتة الحكومة الانجليزية تصدير الفحم ، فسكت ، ثم عاد بعد ذلك يطالب المصنع بتنفيذ تعهده . فقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأنه بصرف النظر عما إذا كان التزام المصنع أصبح تنفيذه مستحيلا بقوة قاهرة ، فإن سكوت المشتري قد جعل المصنع على حق في اعتقاده بفسخ العقد ( 11 ابريل سنة 1917 م 29 ص 358 ) .
 ( [95] ) وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن الشخص الذي يصدر منه إيجاب بضمان آخر يريد استئجار عين من الحكومة يعد مقيداً بهذا الضمان بمجرد رسو المزاد على من كفله دون حاجة لقبول الكفالة من جانب الحكومة ، إذ السكوت في هذه الحالة يعتبر قبولا ( 13 فبراير سنة 1896 م 8 ص 118 ) .
 ( [96] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " أما السكوت فمن الممتنع على وجه الإطلاق أن يتضمن إيجاباً ، وإنما يجوز في بعض فروض استثنائية أن يعتبر قبولا . وقد تناول النص هذه الفروض ، وتقل بشأنها عن تقنين الالتزامات السويسري ضابطاً مرنا يهيئ للقاضي أداة عملية للتوجيه قوامها عنصران : أولهما التثبت من عدم توقع أي قبول صريح ، وهذه الواقعة قد تستخلص من طبيعة التعامل أو من عرف التجارة وسنتها أو من ظروف الحال . والثاني التثبت من اعتصام من وجه إليه الإيجاب بالسكوت فترة معقولة . . . ويراعى . . . أن انقضاء الميعاد المعقول أو المناسب هو الذي يحدد وقت تحقق السكوت النهائي الذي يعدل القبول ويكون له حكمه ، وفي هذا الوقت يتم العقد . أما فيما يتعلق بمكان الانعقاد فيعتبر التعاقد قد تم في المكان الذي يوجد فيه الموجب عند انقضاء الميعاد المناسب إذ هو يعلم بالقبول في هذا المكان . ولم تعرض التقنينات اللاتينية ، فيما عدا استثناءات خاصة ، لقيمة السكوت كطريق من طرق التعبير عن الإرادة . بيد أن التقنينات الجرمانية وغيرها من التقنينات التي تأثرت بها تورد على النقيض من ذلك أحكاماً وافية في هذا الشأن . ويستخلص من دراسة مختلف المذاهب ومقارنتها في النصوص التشريعية وأحكام القضاء أن مجرد السكوت البسيط لا يعتبر إفصاحاً أو تعبيراً عن الإرادة . أما السكوت " الموصوف " وهو الذي يعرض حيث يفرض القانون التزاما بالكلام فلا يثير إشكالاً ما ، لأن القانون نفسه يتكفل بتنظيم أحكام . وليس يبقى بعد ذلك سوى " السكوت الملابس " وهو ما تلابسه ظروف يحمل معها محمل الإرادة ، فهو وحده الذي يواجهه النص ، محتذياً في ذلك حذو أحدث التقنينات وأرقاها " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 57 – ص 58 ) .
 ( [97] ) قضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن تنفيذ أحد العاقدين لاتفاق رغم وجود بعض مآخذ كان بوسعه أن يتمسك بها قبل التنفيذ يحول دون طلب القضاء بإبطال هذا الاتفاق أو تعديل شروطه فيما بعد ( 20 مارس سنة 1935 م 47 ص 213 ) . وقضت محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة بأنه يجوز أن يستفاد الرضاء من القيام بعمل من أعمال التنفيذ لا سبيل معه إلى الشك في انصراف نية العاقد الذي لم يوقع العقد إلى القبول ( 6 يونية سنة 1916 جازيت 7 ص 19 ) . وقضت محكمة الاستئناف المختلطة بأن خير طريقة لتفسير العقد تستخلص من التنفيذ الذي ارتضاه العاقدان ( 16 مايو سنة 1916 م 28 ص 233 – 16 فبراير سنة 1922 م 34 ص 182 ) . وقضت أيضاً بأن شركة المياه التي تعاقدت مع مشترك على توريد المياه له على أساس الربط الجزاف لا يجوز لها أن تلزمه بدفع ثمن ما يستهلكه على أساس ما يحتسبه العداد ما لم تقم الدليل على إنها ألغت التعاقد على أساس الربط الجزاف ( 21 مارس سنة 1917 م 29 ص 301 – 24 ابريل سنة 1930 م 42 ص 447 ) .
 ( [98] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 56 – ص 57 . وانظر المادة 3 من المشروع الفرنسي الإيطالي .
 ( [99] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " يتناول هذا النص حالة تقرب من حالة السكوت . إلا أن التنفيذ الاختياري الذي يكون متقدما على الرد يدخل في نطاق القبول الضمني . ويراعى أن الأخطار ببدء التنفيذ ليس إلا إبلاغاً للقبول الضمن الذي صدر منذ أن حدث البدء في التنفيذ . فهذا الحادث هو الذي يحدد الزمان والمكان اللذين يتم فيهاما العقد دون حاجة إلى انتظار علم الموجب بذلك . وقد استثنيت هذه الحالة كما استثنيت حالة السكوت من حكم القاعدة التي تقضي بأن التعاقد ما بين الغائبين يعتبر تاما في الزمان والمكان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 56 – ص 57 في الهامش ) . ويلاحظ أنه اشير في المذكرة الإيضاحية إلى استثناء حالة السكوت أيضاً من حكم القاعدة التي تقضي بأن التعاقد ما بين الغائبين يعتبر تاما في الزمان والمكان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول . وهذا يحتاج إلى تفصيل . فقد رأينا فيما قدمناه في موضع آخر من المذكرة الإيضاحية أن هذا الاستثناء لا يقوم إلا في تحديد الزمان . أن تحديد المكان فتجري عليه القاعدة العامة ، ويعتبر التعاقد عن طريق السكوت قد تم في المكان الذي يوجد فيه الموجب عند انقضاء الميعاد المناسب إذ هو يعمل بالقبول في هذا المكان . على أن الاستثناء بالنسبة إلى زمان العقد ليس إلا استثناء ظاهريا ، إذ أن السكوت إذا اعتبر قبولا يكون صدوره والعلم به حاصلين في وقت واحد ، فلا ؟؟؟ نظريتي الإعلان والعلم في هذا الخصوص .
 ( [100] ) وقد قضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأن العطاء الذي يتقدم به شخص في بيع يجري بالمزاد العلني أمام المجلس الحسبي ، ثم يرجع فيه قبل موافقة المجلس ، يعتبر إيجاباً يجب أن يتعلق به قبول المجلسن ويجوز على ذلك الرجوع فيه قبل القبول ( 9 يونيه سنة 1932 المحاماة 13 ص 281 ) . وقد يشترط من يطرح الصفقة في المزاد صراحة أن له الخيار بلا قيد في قبول أي عطاء أو رفضه ، فيكون الشرط صحيحاً . وقد قضت محكمة النقض في هذا المعنى بأنه إذا عرضت في المزاد ارض لتأجيرها على مقتضى شروط واردة بقائمة المزاد تتضمن أن لصاحب الأرض الخيار بلا قيد في قبول أو رفض أي عطاء ، فإن تقديم العطاء ، ومجرد قبول المالك لجزء من التامين النقدي وتحريره إيصالاً عنه لم ينص فيه إلا على أن صاحب العطاء ملتزم بدفع باقي التامين في اجل حدده بكتابة منه على القائمة ولم يشر فيه بشيء إلى حقوق صاحب الأرض الواردة في قائمة المزاد ، بل بالعكس اشر على القائمة في يوم حصول المزاد الذي حرر فيه الإيصال بأن المالك لا يزال محتفظا بحقه في قبول أو رفض العطاء – كل ذلك لا يفيد تمام عقد الإيجار بين الطرفين ، ولا يمنع المالك من أن يستعمل حقه في قبول العطاء أو عدم قبوله في أي وقت شاء حتى بعد انصراف صاحبه . فإذا هو فعل ذلك في نفس اليوم فقبل عطاء آخر بأجرة أكثر وحرر بالفعل عقد الإيجار بعد أن دون هذا العطاء الآخر في القائمة قبل إقفال المزاد ، كان هذا هو العقد التام اللازم ( نقض مدني في 15 ديسمبر سنة 1938 مجموعة عمر 2 رقم 149 ص 443 ) .
أما إذا أرسى من طرح الصفقة المزاد على من رسا عليه ، فقد تم العقد ولا يجوز للراسى عليه المزاد الرجوع فيه بعد ذلك . وقد قضت محكمة استئناف مصر الوطنية بأنه ما دام قد ثبت بمحاضر جلسة المجلس الحسبي أن الراسى عليه المزاد قبل الشراء بثمن معين ، ووافق المجلس الحسبي على هذا الثمن وقرر إيقاع البيع ، وما دام الإيجاب والقبول قد وقعا ممن يملكون التعاقد وحصل الاتفاق على المبيع والثمن ، فيكون البيع قد تم ، ولا عبرة بتحرير العقد لأن العقد ليس إلا السند الكتابي للبيع ، وليس للراسي عليه المزاد أن يرجع بعد ذلك في العقد من تلقاء نفسه ، لأنه لا يملك الجوع بغير إرادة الطرف الآخر ( 14 فبراير سنة 1935 المحاماة 15 رقم 317 / 2 ص 372 ) .
وقد يقدم شخص عطاء يكون عرضاً مستجداً ومستقلا عن شروط المناقصة ، فإذا قبله من طرح الصفقة في المناقصة تم العقد بينهما ، ولا يجوز الرجوع فيه بعد ذلك ( أنظر في هذا المعنى : نقض مدني في 13 يناير سنة 1949 مجموعة عمر 5 رقم 368 ص 699 ) .
ويلاحظ في كل ما قدمناه أن هذا هو القضاء المصري في ظل القانون القديم ، حيث كان الإيجاب غير ملزم ويجوز الرجوع فيه مادام أنه لم يقترن بالقبول . أما في ظل القانون الجديد حيث الإيجاب ملزم إذا اقترن بأجل ولو ضمني ، فقد قدمنا أن صاحب العطاء لا يجوز له الرجوع في عطائه بعد أن يصل العطاء إلى علم من وجه له ، لأن العطاء يعتبر إيجاباً ملزماً إذ هو قد اقترن بأجل ضمني هو فض المظاريف وإرساء العطاء على من يرسو عليه .
 ( [101] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 144 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : " لا يتم العقد في المزايدات إلا برسو المزاد . ويسقط العطاء بعطاء يزيد عليه ، أو باقفال المزاد دون أن يرسو على أحد " . ولما تلى النص في لجنة المراجعة ، اضافت اللجنة عبارة " ولو كان باطلا " بعد عبارة " عطاء يزيد عليه " ، وأصبح رقم المادة 101 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل تحت رقم 101 . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ تناقش الأعضاء في حكم المزايدات التي يشترط في اعلانها أن لصاحب الشان الحق في رفض أو قبول أي عطاء يقدم فيها ، فقيل إن إرساء المزاد لا يتم إلا باستعمال حق الخيار المشروط في الإعلان ، وفي حكم المزايدات الحكومية التي تحتاج إلى تصديق طبقا للقواعد المالية ، فقيل أنه لا يمكن إرساء المزاد إلا بعد التصديق عليه إذ التصديق هو القبول بارساء ممن يملكه . وسال أحد الأعضاء كيف يكون العطاء باطلا ، فاجيب . بإمكان تحقق ذلك فيما لو كان صاحب العطاء قاصراً أو معتوهاً . ثم وافقت اللجنة على المادة مع حذف عبارة " أو بإقفال المزاد دون أن يرسو على أحد " ، وقد راعت في ذلك أن الارساء هو الذي يتم به العقد ، فإيراد هذه العبارة يكون مجرد تزيد قد يحمل على محمل آخر . وأصبح رقم المادة 99 . ثم وافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها اللجنة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 64 – ص 67 ) .
هذا وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " ينطبق هذا النص على جميع عقود المزايدات ، وبوجه خاص على البيوع والإيجارات التي تجري بطريق المزايدة وهو يحم خلافاً طال عهد الفقه به . فافتتاح المزايدة على الثمن ليس في نطق النص إلا دعوة للتقدم بالعطاءات . والتقدم بالعطاء هو الإيجاب . أما القبول فلا يتم إلا برسو المزاد . وقد اعرض المشروع عن المذهب الذي يرى في افتتاح المزايدة على الثمن إيجاباً وفي التقدم بالعطاء قبولا . ويراعى أن العطاء الذي تلحق به صفة القبول ، وفقاً لحكم النص ، يسقط بعطاء يزيد عليه حتى لو كان هذا العطاء باطلا أو قابلا للبطلان ، بل ولو رفض فيما بعد . ويسقط كذلك إذا اقفل المزاد دون أن يرسو على أحد . وليس في ذلك إلا تطبيق للقواعد العامة ، فما دام التقدم بالعطاء هو الإيجاب فهو يسقط إذا لم يصادفه القبول قبل انقضاء الميعاد المحدد . أما الميعاد في هذا الفرض فيحدد اقتضاء من دلالة ظروف الحال ومن نية المتعاقدين الضمنية ، وهو ينقضي بلا شك عند التقدم بعطاء اكبر أو بإقفال المزاد دون أن رسو على أحد " . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 64 – ص 65 ) .
نضيف إلى ما تقدم أن العطاء اللاحق يسقط العطاء السابق ، لا باعتباره تصرفا قانونياً بل باعتباره واقعة مادية . ولا يمنع العطاء اللاحق أن يكون واقعة مادية أنه وقع باطلا كتصرف قانوني .
* بعض المراجع ك سالي في إعلان الإرادة 229 وما بعدها – ديجيه في تطورات القانون الخاص ص 121 – الدولة والقانون الموضوعي والقانون الوضعي ص 55 – هوريو في مبادئ القانون العام ص 207 – ريبير في القاعدة الخلقية في الالتزامات ص 55 وما بعدها – بلانيول وريبير وإسمان 1 ص 122 وما بعدها – ديموج في الالتزامات 2 ص 616 وما بعدها – موران 0 Morin ) في القانون والعقد سنة 1927 ص 36 وما بعدها – ديريه ( dereux ) في تفسير الأعمال القانونية باريس سنة 1905 ص 152 و ص 210 – جونو ( Gounot ) في مبدأ سلطان الإرادة ديجون سنة 1909 ص 227 وما بعدها – دولا ( Dollat ) باريس سنة 1905 – فورتييه ( Fortier ) ديجون سنة 1909 – بيشون ( Pichon ) ليون سنة 1913 – سارا ريم ( Sarat - Remy ) في مراجعة الشروط التعسفية في عقود الإذعان باريس سنة 1928 – ميسول ( Missol ) في عقد التأمين كعقد من عقود الإذعان باريس سنة 1934 – ساليه ( Salle ) في التطور الفني للعقد باريس سنة 1930 ص 11 وما بعدها – جوسران في مجموعة دراسات جيني جزء 2 ص 333 – وفي مجموعة دراسات لامبير جزء 3 ص 143 – ومقال في مجلة القانون المدني ربع السنوية سنة 1937 ص 21 – نظرية العقد للمؤلف ص 279 – ص 288 – الدكتور حلمي بهجت بدوي ص 222 – ص 226 – الدكتور احمد حشمت أبو ستيت ص 82 – ص 85 – الدكتور محمد عبد الله العربي في الإكراه الاقتصادي ليون سنة 1924 – الدكتور عبد المنعم فرج الصدة في عقود الإذعان في القانون المصري القاهرة سنة 1946 .
 ( [103] ) ويسمى الفرنسيون العقود التي يكون فيها القبول على النحو المتقدم بعقود الانضمام ( contrats d'adhesion ) ، لأن من يقبل العقد إنما ينضم إليه دون أن يناقشه . وهذه تسمية ابتدعها الأستاذ سالي في كتابه الإعلان عن الإرادة ( ص 229 – ص 230 ) . وقد آثرنا أن نسمى هذه العقود في العربية بعقود الإذعان ، لما يشعر به هذا التعبير من معنى الإضرار في القبول . وقد صادفت هذه التسمية رواجاً في اللغة القانونية من فقه وقضاء ، وانتقلت إلى التشريع الجديد .
 ( [104] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 145 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : " القبول في عقود الإذعان يكون مقصورا على التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها " . ولما تلى النص في لجنة المراجعة أدخلت عليه تعديلات لفظية أصبح بعدها مطابقاً للنص الوارد في القانون الجديد ، وأصبح رقم المادة 102 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النوابعلى المادة دون تعديل . ووافقت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ومجلس الشيوخ على المادة دون تعديل تحت رقم 100 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 67 – ص 71 ) . وانظر المادة 172 الفقرة الثانية من قانون الالتزامات اللبناني .
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " من حق عقود الإذعان وهي ثمرة التطور الاقتصادي في العهد الحاضر ، أن يفرد لها مكان في تقنين يتطلع إلى مسايرة التقدم الاجتماعي الذي اسفرت عنه الظروف الاقتصادية . وقد بلغ من أمر هذه العقود أن اصبحت ، في رأي بعض الفقهاء ، سمة بارزة من سمات التطور العميق الذي اصاب النظرية التقليدية للعقد . على أن المشروع لم يرمجاراة هذا الرأي إلى عايته ، بل اجتزأ بذكر هذه العقود ، واعتبر تسليم العاقد بالشروط المقررة فيها ضربا من ضروب القبول . فثمة قبول حقيقي تتوافر به حقيقة التعاقد . ومع ذلك فليس ينبغي عند تفسير هذه العقود إغفال ما هو ملحوظ في إذعان العاقد ، فهو أقرب إلى معنى التسليم منه إلى معنى المشيئة . ويقتضي هذا وضع قاعدة خاصة لتفسير هذه العقود تختلف عن القواعد التي تسري على عقود التراضي . وقد أفرد المشروع لهذه القاعدة نصاً خاصاً بين النصوص المتعلقة بتنفيذ العقود وتفسيرها . وتتميز عقود الإذعان عن غيرها باجتماع مشخصات ثلاثة : اولها تعلق العقد بسلع أو مرافق تعتبر من الضروريات الأولى بالنسبة للمستهلكين أو المنتفعين . والثاني احتكار هذه السلع أو المرافق احتكاراً قانونياً أو فعلياً أو قيام منافسة محدودة النطاق بشأنها . والثالث توجيه عرض الانتفاع بهذه السلع أو المرافق إلى الجمهور بشروط متماثلة على وجه الدوام بالنسبة لكل فئة منها . وعلى هذا النحو يعتبر من عقود الإذعان تلك العقود التي يعقدها الافراد مع شركات الكهرباء والغاز والمياه والسكك الحديدة ، أو مع مصالح البريد والتليفونات والتلغرافات ، أو مع شركات التأمين " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 68 – ص 69 .
 ( [105] ) استئناف مختلط في 20 يونية سنة 1928 م 40 ص 437 .
 ( [106] ) عقد الإيجار للمؤلف فقرة 129 ص 129 هامش رقم 2 .
 ( [107] ) استئناف مختلط في 29 يناير سنة 1890 م 2 ص 360 – وفي 11 ابريل سنة 1906 م 18 ص 188 .
 ( [108] ) استئناف مختلط في 7 ديسمبر سنة 1921 م 34 ص 44 – وفي ) مارس سنة 1929 جازيت 20 ص 108 .
 ( [109] ) استئناف مختلط في 20 ابريل سنة 1927 م 39 ص 405 – محكمة الإسكندرية الجزئية المختلطة في 25 يونية سنة 1921 جازيت 12 ص 35 – محكمة القاهرة التجارية الوطنية في 30 اكتوبر سنة 1948 المحاماة 28 رقم 443 ص 1076 .
 ( [110] ) استئناف مختلط في 22 يناير سنة 1919 م 31 ص 134 – وفي 19 نوفمبر سنة 1929 م 42 ص 41 .
 ( [111] ) محكمة مصر الكلية الوطنية في 21 ابريل سنة 1940 المحاماة 21 رقم 126 ص 267 – محكمة الإسكندرية التجارية المختلطة ؟؟؟ 1915 جازيت 6 ص 22 .
 ( [112] ) استئناف مختلط في 11 يونية سنة 1913 م 25 ص 435 – وفي 10 ينايرة سنة 1924 م 36 ص 140 – وفي 6 مايو سنة 1926 م 38 ص 396 – وفي 7 مايو سنة 1947 م 59 ص 207 .
 ( [113] ) استئناف مختلط في 12 ابريل سنة 1926 م 40 ص 295 . وتشدد المحاكم في إعمال شرط من شروط الإسقاط في بوليصة التأمين : استئناف مختلط في 6 ديسمبر سنة 1944 م 57 ص 18 – وفي 17 مارس سنة 1948 م 60 ص 86 .
 ( [114] ) وقد قضت محكمة مصر الابتدائية المختلطة بأن اعتياد شركة التأمين على أن تقصد المؤمن له في محل إقامته لنستوفى الأقساط يلغى الشرط القاضي بأن الدفع يكون في محل الشركة ( 16 يناير سنة 1928 جازيت 20 رقم 93 ص 87 ) .
 ( [115] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 217 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : " إذا تم العقد بطريق الإذعان ، وكان الطرف المذعن بقبوله دون مناقشة ما عرض عليه لم ينتبه إلى بعض الشروط التعسفية التي تضمنها العقد ، جاز للقاضي أن يجعل ذلك محلا للتقدير " . فاقترحت لجنة المراجعة تعديله على الوجه الآتي : " إذا تم العقد بطريق الإذعان ، وكان قد تضمن شروطا تعسفية ، جاز للقاضي أن يعدل هذه الشروط أو أن يعفي الطرف المذعن عن تنفيذها ، وذلك وفقا لما تقضي به العدالة ، ويقع باطلا كل اتفاق على خلال ذلك " . وأصبح رقم المادة 153 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ اقترحت إضافة عبارة في آخر النص هي ما يأتي : " دون إخلال بحق المذعن في التعويض إن كان له محل " ، لأنه لا يكفي في مثل هذه العقود أن يعفي القاضي المذعن من تنفذها ، بل يجب أيضاً تعويضه إن كان للتعويض محل . وبعد أن وافقت اللجنة على هذا الاقتراح رجعت في موافقتها ورفعت هذه الإضافة لأن القواعد تغني عن الحكم الوارد في العبارة المضافة ، واستبدلت كلمة " منها " بعبارة " من تنفيذها " . وأصبح رقم المادة 149 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما عدلتها اللجنة . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 291 – ص 294 ) .
هذا ويلاحظ مما تقدم أن النص الذي كان وارداً في المشروع التمهيدي اضعف من نص القانون الجديد في ناحيتين : الأولى أنه يشترط في الشروط التعسفية أن يكون الطرف المذعن لم يتنبه إليها ، والثانية أن الجزاء على شرط تعسفي لم يتنبه له الطرف المذعن جاء منطوياً على شيء من الغموض ، فلم يصرح النص بأن للقاضي أن يعدل الشرط أو يلغيه ، بل اقتصر على القول بأنه يجوز للقاضي أن يجعله محلا للتقدير . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : " في هذا النطاق الضيق يطبق هذا الاستثناء ، فلا يبلغ الأمر حد استبعاد الشرط الجائر بدعوى أن المذعن قد أكره على قبوله متى تنبه إليه هذا العاقد وارتضاه . فالإذعان لا يختلط بالإكراه ، بل إن التوحيد بينهما أمر ينبو به ما ينبغي للتعامل من أسباب الاستقرار . ثم إن ما يولى من حماية إلى العاقد المذعن ينبغي أن يكون محلا لأحكام تشريعية عامة – كما هو الشأن في حالة الاستغلال – أو لتشريعات خاصة " . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 292 ) . ولا شك أن النص الذي خرج به القانون الجديد أصلح في معالجة استغلال الطرف المذعن من نص المشروع التمهيدي . وقد زاده مجلس الشيوخ تأكيداً ، فقد كانت العبارة الواردة فيه : " أو أن يعفى الطرف المذعن منها " قد وردت على النحو الآتي : " أو أن يعفى الطرف المذعن من ؟؟؟ " ، فرؤى أن الإعفاء يكون من الشرط التعسفي ذاته لا من تنفيذه فحسب .
 ( [116] ) تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 216 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : " يفسر الشرك في مصلحة المدين " ، وفي الفقرة الثانية من المادة 217 على الوجه الآتي : " لا يجوز أن يكون تفسير العبارات الغامضة في عقود الإذعان ضاراً بمصلحة الطرف المذعن " . فضمت الفقرتان في مادة واحدة في لجنة المراجعة ، وأصبح رقمها 155 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب عليهادون تعديل . ثم وافقت عليها لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ ومجلس الشيوخ دون تعديل تحت رقم 151 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 299 – ص 301 ) .
 ( [117] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 300 – هذا وقد قضت محكمة الاستئناف المختلطة في ظل القانون القديم أن عقد التأمين يفسر لمصلحة المؤمن له ( 28 مايو سنة 1941 م 93 ص 205 ) .
 ( [118] ) مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 67 – ص 68 في الهامش . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية لهذين النصين في المشروع التمهيدي ما يأتي : " لا يطرأ على القبول في عقود الجماعة مجرد عرض يغير من أوصافه ، بل يجاوز أمره ذلك فيصبح القبول معدوماً على وجه الإطلاق . والحق أن هذه العقود وهي من ابرز مظاهر النشاط الاقتصادي الحديث لا تنطوي على حقيقة التعاقد . وأظهر ما يكون هذا المعنى بالنسبة للأقلية التي ترتبط بقبول الأغلبية دون أن ترتضي ذلك . وقد بلغ من أمر الثغرة التي أصابت مبدأ سلطان الإرادة من جراء هذا الوضع أن أصبح اصطلاح " الارتباطات النظامية " أغلب على الالسنة في هذا المقام من اصطلاح " عقود الجماعة " . وقديما وعت قوانين التجارة في نظام الصلح في الافلاس صورة من صور هذه العقود . بيد أن صورة أخرى أعظم أهمية وابلغ أثراً قد أخذت بظهور عقد العمل الجماعي مكانها في الحياة الاقتصادية الحديثة تحت ضغط حركات العمال والنقابات . فقد يتفق أرباب العمل والعمال على قواعد خاصة بشروط العمل ، وبهذا يتكون عقد جماعة يرتبط به أولئك وهؤلاء جميعاً سواء فيهم من قبل أو من لم يقبل . ويترتب على ذلك بطلان كل حكم في عقود العمل الفردية يتعارض مع نصوص هذا العقد . ويجب التفريق بين عقود الجماعة والعقود النموذجية ، فللأخيرة حقيقة التعاقد . وإحالة الطرفين إلى النموذج التي تولت وضعه أو إقراره السلطات العامة أو الهيئات النظامية ( كالنقابات مثلا ) تفترض قبولهما للشروط الواردة فيه " . ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 68 في الهامش ) .
 ( [119] ) والتعاقد فيما بين الغائبين ممكن في أكثر العقود . ولا تستثني إلا عقود خاصة تستلزم بعض القوانين فيها حضور المتعاقدين بنفسيهما في مجلس واحد وقت التعاقد ، فلا يجوز فيها حتى التعاقد بطريق النيابة ، كما يقضي القانون الفرنسي بذلك في الزواج ( acte de marriage ) وفي عقد الزوجية المالي ( Contrat de marriage ) وفي عقد التبني ( adoption ) .
 ( [120] ) ولو قبل شخص إيجاباً صدر من أصم وهما في مجلس واحد ، فلم يسمع الموجب القبول ، فكتبه له الطرف الآخر ، فإن معرفة الوقت الذي تم فيه العقد ، هل هو وقت صدور القبول أو وقت كتابة القبول للموجب وتمكن هذا من قراءته ، تتبع فيه قواعد التعاقد ما بين غائبين ( أنظر في هذا الفرض إيموس وأرمانجون : اسئلة في القانونين المدني والتجاري المصريين سنة 1904 ص 39 رقم 57 ) .
 ( [121] ) ولا يعتبر تعاقداً بين غائبين تبادل مكاتبات تسجل اتفاقاً ثم بين حاضرين شفوياً قبل هذا التبادل ، فإن هذه المكاتبات ليست إلا وسيلة لإثبات عقد سبق إبرامه بين الطرفين وهما حاضران معاً مجلس العقد ( استئناف مختلط في 11 ابريل سنة 1934 م 46 ص 240 ) . كذلك لا يعتبر تعاقداً بين غائبين إبرام عقد بين أحد الطرفين ووكيل الآخر إذا كان كل منهما حاضرا مجلس العقد ، فحضور الوكيل مجلس العقد يغني عن حضور الأصيل ( استئناف مختلط في 23 ديسمبر سنة 1936 م 49 ص 43 ) .
 [122] ) وقد اشتمل المشروع التمهيدي على نص في هذا الموضوع ، فنصت المادة 140 من هذا المشروع على أنه " يعتبر التعاقد بالتلفون أو بأية طريقة مماثلة كأنه تم بين حاضرين فيما يتعلق بالزمان ، وبين غائبين فيما يتعلق بالمكان " . ولكن لجنة المراجعة قررت حذف هذا النص لوضوح حكمه . وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في صدد هذا النص ما يأتي : " لا يثير التعاقد بالتلفون ، أو بأية وسيلة مماثلة ، صعوبة إلا فيما يتعلق بتعيين مكان انعقاد العقد . فشأنه من هذه الناحية شأن التعاقد بين الغائبين الذين تفرقهم شقة المكان . ولذلك تسري عليه أحكام المادة السابقة الخاصة بتعيين مكان التعاقد بين الغائبين ، ويعتبر التعاقد بالتلفون قد تم في مكان الموجب إذ فيه يحصل العلم بالقبول ، ما لم يتفق على خلاف ذلك . أما فيما يتعلق بزمان انعقاد العقد ، فالتعاقد بالتلفون لا يفترق عن التعاقد بين الحاضرين ، لأن الفارق الزمني نبي إعلان القبول وبين علم الموجب به معدوم أو هو في حكم المعدوم . فليس للتفرقة بين وقت إعلان القبول ووقت العلم به أية أهمية عملية ، لأنهما شيء واحد . وتفريعاً على ذلك يعتبر التعاقد بالتلفون تاماً في الوقت الذي يعلن فيه من وجه إليه الإيجاب قبوله ، وهذا الوقت بذاته هو الذي يعلم فيه الموجب بالقبول . ويترتب على إعطاء التعاقد بالتلفون حكم التعاقد ما بين الحاضرين فيما يتعلق بزمان انعقاد العقد أو الإيجاب إذا وجه دون تحديد ميعاد لقبوله ، ولم يصدر القبول فور الوقت ، تحلل الموجب من إيجابه . وهذه هي القاعدة المقررة في الفقرة الأولى من المادة 131 من المشروع بشان الإيجاب الصادر من شخص إلى آخر بطريق التلفون أو بأي طريق مماثل " ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 52 – ص 53 في الهامش ) .

ليست هناك تعليقات